يبدو ان الامم المتحدة هي مصممة ومهندسة مشروع "التسوية التاريخية" كما اطلق عليها من قبل عرابيها لاحتواء الوضع السياسي المتفجر والمليء بالتناقضات والمفارقات والفساد والخروقات الخيالية التي عمقت الطبقية والطائفية والقبلية في العراق. ان التسوية الحقيقة هي بين الطبقة السياسية الحاكمة والمجتمع في استيعاب الجميع تحت مظلة المواطنة والقانون وليس بين فرقاء الطبقة السياسية التي انتجت اوضاع شاذة وغير عادلة في الحقوق والواجبات وخلقت اقطاعيات سياسية عائلية تتقاسم الثروة والنفوذ واحتكار كل مرافق الدولة وصولا للسفارات. لقد سبق وان طرحت الكثير من اوراق ومواثيق شرف ومشاريع تسويات بين هؤلاء السياسين انفسهم ونسفت قبل ان يجف حبرها على الورق وهي عبارة عن تبويس لحى على الطريقة العربية المعروفة دون ان تناقش قضايا شديدة الحساسية في ادارت الدولة والمال وما تتعرض له الطبقات المهمشة وصعوبة العيش في بلد اهدر فيه ترليون دولار في غضون عقد من الطبقة التي حكمت منذ 2003 وعرضت البلد لاخطار ماحقة نتيجة سياسات فوضوية رعناء من قبل الاحزاب الحاكمة التي تتبرأ من كل الازمات الا من حصصها في الوزارات ومفاصل الدولة.
باتت من السهل على الاحزاب والشخصيات النافذه التملص من كل النتائج الكارثية التي حلت بالعراق من خلال لجان مشتركة واوراق مشاريع يعرفون سلفا انها لم تغيير شيء ولم تك مخرجا، نوع من كسب الوقت والرهان على حدث جلل يتجاوزها وهذه لعبة الحلقة المفرغة في الالهاء والتدويخ وضمان بقاء نفس الوجوه التي جربناها 14سنة عجاف بكل معنى الكلمة وهي تذر الرماد في العيون واستخدتم الدين والوطنية والديمقراطية بخطابات جوفاء خطلاء تجافي الواقع المهترىء والرث.
ان التسوية التاريخية عنوان عائم ومموه والتفاف على المطالب الشعبية والابتعاد عن ايجاد حلول جذرية لها وهي كل يوم تتفاقم وتكبر والامر العجيب ان الميزانية تضمنت 100 مليار دينار عراقي تحت بند المصالحة وهذا احد اوجه السرقة المامونة المخاطر والفضائح التي تتلاعب بها الجهات النافذة في القسمة لكل شيء. ان كل الحلول التي تبقي الفساد والفاسدين دون محاسبة هي حلول وهمية وتسويف مقصود لايعني المواطن المغلوب على امره والمسلوب سلفا وهي تخدم ذات الكتل السياسية الوازنة بامتلاكها للمال والسلاح وتتحاصص مع المكونات الطائفية والعرقية السياسية وليست الشعبية وكما يقول المثل العراقي "المطر متساوي" سواء كان المواطن شيعيا او سنيا مسلما او مسيحيا كرديا او عربيا او تركمانيا او من اي مذهب ومكون هو من يدفع ثمن فساد وخراب الطبقة الحاكمة التي تريد ايجاد تسوية مستقبلية لضمان القسمة من جديد فيما بينها والتكييف مع كل ردود الفعل الشعبية والمتغيرات الجيو استراتجية والحروب التي تعصف بالمنطقة وضمان الصعود في الانتخابات القادمة 2018 .البعض يروج على ان هذه التسوية او المصالحة يجب ان تكون مع خصم، وهنا يبرز سؤال:
من الخصم وكل الكتل والاحزاب المدعوة للمصالحة هي شريك في الحكم والبرلمان وعلى ضوء اي قانون ودستور ستتم هذه المصالحة وماهي اليات التفاوض بين الفرقاء ومن الضامن او الحكم؟ وبرعاية من وماهي بنودها؟
اذا كانت برعاية الامم المتحدة فالامم المتحدة موجودة في العراق بقوة وتتدخل في القرارات العراقية داخليا وخارجيا وفعليا نحن تحت الفصل السابع وكل الوزارات تدار من مستشارين اجانب يتدخلوا بكل صغيرة وكبيرة. هذا غيض من فيض التسوية التاريخية وما خفي اعظم.
وربما استدرك من روج لهذه التسوية التاريخية على حد تعبيره مبكرا للتنصل عنها لانها وهمية اصلا وباب من ابواب الدعاية الانتخابية وصرف المال العام تحت بند مصالحة او تسوية او ما تشاءوا من المسميات الفارغة المضمون والعديمة الفائدة والتي ستسلب المزيد من اموال العراقيين.