في الدولة الحديثة هناك مراكز وهيئات تقوم على معالجة الكوارث والحروب "الحروب الأهلية والطائفية وأخيرا ظهور الارهاب المتوحش" ومعالجتها ودراسة آثارها الشمولية وكيفية التعامل معها في أقل الخسائر واقصر الأوقات لكن في العراق كل شيء في علم الغيب ورجم في المجهول ومن هنا نحن نقف عند مفترق طرق دون أي استشراف أو حلول مقترحة على أسس واقعية للمشاكل التي حلت بالعراق منذ العهد الملكي وتأسيس الدولة العراقية يتفاوت صعودا ونزولا نتيجة النزاعات الطائفية والحروب والجغرافيا السياسية.
إن القضاء على الارهاب في العراق بات مسالة وقت لكن المشكلة الرئيسة بعدم الاستقرار وعدم وجود تصورات واضحة لما بعد طرد داعش واستئصال العنف واعادة البناء بعد أن خرب ثلث العراق وتعطلت الحياة والتنمية في المناطق التي لم يصلها الارهاب نتيجة كلفة محاربته. إن استمرار الطبقة السياسية الحاكمة بنفس العقلية الطائفية والولاءات لدول الجوار وخصوصا التي لها حدود مباشرة مع العراق واطماع استراتيجية واقتصادية وتحاول خنقه ليبقى تحت طائلة التبعية هو مايزيد الطين بلّة واحتلال داعش لثلاثة مدن عراقية وزحفه على اطراف بغداد لم يات دون مساعدة سياسين كبار وشراء بعض ذمم القادة من الجيش والشرطة بالمال وتسهيل مرور الا رهابين او تهريبهم من السجون وعدم فتح هذا الملف قضائيا وسياسيا ستبقى الاخطار قائمة وتبقى جذوة الارهاب المتوحش تحت رماد الانقسام الطائفي والعرقي المدعوم من الخارج الذي لايكف يوما عن هذا التأجيج طالما أنه خارج أراضيه ومثلما فكر الأمريكان عند احتلال العراق بجعله شبكة لتجميع القاعدة التي تناسل الى فصائل وجيوش من الارهابين وصولا لداعش وخرج عن السيطرة لكن لم تتأثر أمريكا بهذه الكوارث طالما يبعد آلاف الكيلومترات وأصبح تهديد للمنطقة برمتها التي ستستورد شركات حماية ومرتزقة واسلحة وريعها يصب في بنوك أمريكا والغرب.
التاريخ شهد حروب متوحشة دينية وعرقية وسياسية ونزاعات على الحدود وكلها انتهت بماسي اجتماعية وتغييرات ديموغرافية تعاني منها البشرية ليومنا هذا لكن هناك دول بحكمة قياداتها ونخبها استطاعت معالجة اثار تلك الحروب واسست لها هيئات واموال ومراكز دراسات ساهمت في تقديم التصورات والحلول والمخاطر المحتملة من خلال الاستقراء والتحليل معتمدتا الاحصاء والطرق العلمية والمنهجية واشراك أساتذة الجامعات والمفكرين بوضع أفضل الحلول . نشأ أول معهد للأبحاث في عام 1831 قام دوق ويلنجتون بتأسيس المعهد الملكي للخدمات الموحّدة ، وأصبح المعهد أول مركز أبحاث أمني-دفاعي في تاريخ العالم. وقام الدوق – بطل معركة ووترلو– بطرح المشروع؛ وذلك بسبب تعقّد وسرعة تطوّر القضايا الأمنية في بداية القرن التاسع عشر حيث أصبحت الوسائل التقليدية غير الاحترافية، للتخطيط العسكري، والتعامل مع المستجدات الأمنية، سببا في تراجع النفوذ البريطاني، وأدرك الدوق أنّ هناك حاجة لإجراء تغيير نوعي في وسائل صنع القرارات العسكرية.
ووصل مفهوم مركز الأبحاث إلى أمريكا في القرن العشرين، أولاً بوقف كارنيجي للسلام الدولي في عام 1910، ولاحقاً بمعهد بروكنجز في عام 1927. وتوسّع القطاع، بشكل ملحوظ، بعد الحرب العالمية الثانية، حينما بدأت الحكومة الأمريكية تخصّص نسبة كبيرة من ميزانيتها، للمشاريع العلمية-الفكرية، كجزء من الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وأُنشئت المراكز. وفي العصر الراهن، تستند تقريباً كلّ حكومات العالم المتقدم على تحليلات وتوصيات مراكز أبحاث في قراراتها. ومن المؤكدة ان مراكز الدراسات تعمل على تقديم الاستشارات لأصحاب القرار والإدارات وتلاقي دعم سخي للاستمرار بعملها ولم تكن مجرد فعاليات موسمية عابرة كما هو حاصل في العراق اليوم انها مجرد يافطات كبيرة وطبع كراسات تلقى على الرفوف لم يطلع عليها اي مسؤول او مهتم ناهيك عن الافراد العاملين بها لم يكونوا من اصحاب الاختصاص بل واجهات لأحزاب وأصبحت مثل منظمات المجتمع المدني الوهمية والتي بلغ عدد أكثر من احدى عشر الف منظمة وهذا عدد غير معقول بعضها يعتاش على هبات من الخارج لتنفيذ سياسات واهداف ليس لها علاقة بالمجتمع العراقي البتة. اليوم المشكل التي خلفها الارهاب وداعش بحاجة الى مختصين من الجامعات والحكومة لعقد المؤتمرات وتقيم الاضرار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واقتراح الحلول لها في المدى المنظور والمستقبل وإن أهم أسباب نجاح هذه المراكز هو استقلاليتها واشراك الرأي العام. العراق اليوم يتخبط بعشرات المشاكل التي تتفاقم كالفقر وخراب البنى التحتية واطفال الشوارع والأرامل والفساد الإداري والمالي والمجتمعي كل هذه وعشرات المشاكل بحاجة الى نضوج سياسي وتشريعي ومعرفي وتوفير البيانات والاحصائيات للدارسين والايصال الى المعلومة والأهم ان تتمتع هذه المراكز بالاستقلالية وحرية العمل البحثي ومنح الباحثين حرية في تناول كل الظواهر ضمن اختصاصاتها العلمية المناطة على عاتقها وعدم النظر اليها بنظرة فضفاضه او ثانوية وعلى كل الوزارات الاخذ بنظر الاعتبار مقترحات تلك المراكز كما على الدولة ان تدعم بنشر الدراسات القيمة التي تساهم في ايجاد السياسات والحلول الناجعة والبناء عليها وتطويرها والاستفادة منها في التنمية المستدامة وليس بقاءها حبرا على ورق، أو ديكور خاو يجمع عدد من الاختصاصين العاطلين عن الابداع والعمل.