في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحّاجة إلى مواجهة التحديات الوطنية سواء كانت الإقتصادية، الإجتماعية، التعليمية ،الصحية وغيرها.. التي تهّم المواطن وتؤثر في مسار حياته ومستقبل الاجيال والوطن، يطّل علينا وزير الهجرة بيتر داتون بتصريحات تفوح منها روائح العنصرية وكأن الوزير ما زال يعيش عقلية أستراليا البيضاء، متناسياً أن اللاجئين والمهاجرين الذي يتّهمهم بالأمية والضغط على ميزانية الحكومة من خلال حصولهم على تقديمات الضمان الإجتماعي والخدمات الصحية أو أخذ الوظائف من الأستراليين، لاحظوا هذا التناقض الواضح والذي إما ينّم عن جهل ولا أعتقد ذلك، إما عن عنصرية وهو الأرجح لكسب بعض ألأصوات في الإنتخابات القادمة (2 تموز)، بالله عليكم كيف يأخذ الأمي الوظائف من طريق الأستراليين؟!
نعم، العديد من القادمين الجدد يحصلون على مساعدات حكومية، ونحن هنا لا نجادل ولا ننكر أن أستراليا تنفق الكثير من الأموال وتخصص العديد من البرامج وتضع الخطط من أجل مساعدة اللاجئين والمهاجرين في عملية الإستقرار وعلى كافة المستويات الإجتماعية، الإقتصادية، الثقافية، الصحية والتعليمة.علماً ان أغلب الإحصاءات تشير إلى أنه على المدى المتوسط والبعيد فالنتائج الإيجابية تفوق عشرات الأضعاف التقديمات التي يحصل عليها القادمون الجدد، هذا مع العلم أن العديد منهم أصبحوا أرباب عمل ويوظفون الآلاف في مؤسساتهم ويساهمون في تحريك عجلة الإقتصاد على كل الصعد، وبعضهم الآخر من الجيل الأول دخلوا المجال الوظيفي وأثبتوا مقدرتهم ويقدمون خدماتهم لأبناء المجتمع في كافة المجالات (أبحاث، طب، قانون، رياضة، تجارة وغيرها) على أكمل وجه.
أما اولادهم واحفادهم والذين قد يكونون بنظر الوزير داتون لاجئين او مهاجرين فهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الاسترالي لانهم لا يعرفون غير استراليا وطناً لهم. ولا نريد أن نكون كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، نعم هناك أقلية اختارت أو لم تستطع الإلتحاق بالركب وارتضت أن تعيش على التقديمات الحكومية. وعن توقيت تصريحات وزير الهجرة نتساءل لماذا اختار هذا التوقيت بالذات؟
1.أولاً: إننا في حملة إنتخابية واستطلاعات الرأي متقاربة وهناك حديث جدّي عن برلمان معلق لا بل ان بعض استطلاعات الرأي تقول بتقدم العمال على الحكومة وانه لاول مرة يتساوى رئيس الوزراء تيرنبول مع زعيم المعاضة بيل شورتن كمفضل لتولي رئاسة الوزراء.
2.ثانياً: إخفاق الميزانية الفيدرالية في تغيير مزاج الناخبين وتعديل الرأي العام تجاه سياسة الحكومة التي وعدت بالمزيد من الوظائف والنمو الذي ترفعه الحكومة شعاراً لحملتها الإنتخابية.
3.ثالثاُ: تقدّم العمال على تحالف الأحرار - الوطني في تقديم برامج ووضع سيايات تعليمية، صحية وضريبية أفضل، تلاقي الأستحسان لدى الرأي العام.
4.رابعاً: تخبط حزب العمال في سياسته اتجاه طالبي اللجوء وحماية الحدود، علماً بأن الحزبين الكبيرين ينتهجون نفس السياسة التي تقضي برد قوارب طالبي اللجوء او نقل اللاجئين الى جزر المحيط النائية، رغم وجود بعض الأصوات المعارضة لسياسة حزب العمال التي تعلو بين الحين والآخر من برلمانيي الحزب او المرشحين للإنتخابات والتي يتم احتواؤها أو إسكاتها لأسباب إنتخابية.
5.خامساً: سياسة التخويف من المهاجرين واللاجئين والتي تندرج ضمنها تصريحات الوزير داتون وهي الورقة التي يجيد استخدامها حزب الأحرار والتي تدرّ أصواتاً في صناديق الإقتراع، خصوصاً أصوات العنصريين، وهذه السياسة مجرّبة وأتت ثمارها الإنتخابية واكلها السياسي في الماضي، فرئيس الوزراء الأسبق جان هاورد الأحراري لجأ إلى هذا الأسلوب عندما أعلن أننا لا نريد استقبال من يرمون أبناءهم في البحر ( عام 2001).
رئيس الوزراء السابق الأحراري طوني أبوت وفي حملته الإنتخابية عام 2013 ركّز على عملية حماية الحدود وإرجاع زوارق طالبي اللجوء، وحتى رئيس الوزراء العمالي كيفن راد وأثناء الحملة الإنتخابية عام 2013 قرّر إعادة العمل بالحل الباسيفيكي الذي كانت حكومة هاورد قد اعتمدته والذي يقضي بإبعاد لاجئي القوارب إلى جزر مانوس وناورو وغينيا الجديدة ولنفس الاسباب الانتخابية.
إذن، وكما يقال إذا عُرف السبب بطُل العجب، رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول والذي كان المواطنون يعولون علية بنقله سياسة نوعية تحتاجها البلاد ووصلت شعبيته 69% من الناخبين عند انقلابه على طوني ابوت في ايلول عام 2015، فإذا به يتنازل عن قناعته وأفكاره الليبرالية في قضايا التغييرات المناخية، السياسة الضريبية، تحويل أستراليا إلى جمهورية، تشريع زاوج مثليي الجنس، اللاجئين وغيرها، فإذا به يتحوّل إلى رئيس وزراء لا شكل له Shapeless Manكما وصفه محرر الشؤون السياسية في صحيفة ذي سدني مورنيغ هيرالد بيتر هارتشر بسبب التزامه سياسة سلفه المحافظ طوني أبوت والذي انقلب عليه تيرنبول كما اسلفنا، وكل ذلك من أجل تسلم منصب رئاسة الوزراء الحلم التاريخي الذي كان يراود تيرنبول منذ ان كان في الأربعين من عمره والصفقة تقضي باحتفاظ تيرنبول بسياسة أبوت والتنازل عن قناعته وسيرته السياسية السابقة للحصول على أصوات 5 نواب للتغلب على أبوت (س م ه 21/22 أيار 2016 قسم ما وراء الأخبار) وحسب نفس المصدر فإن تيرنبول يبرر خطوته بأنه كان عضواً في حكومة أبوت.
بالعودة إلى تصريحات الوزير داتون والتزاماً من رئيس الوزراء بتعهداته لنواب الجناح المحافظ في حزب الأحرار، وصف رئيس الوزراء الوزير داتون بالوزير "الممتاز" محاولاً تحوير تصريحات داتون من جانبها العنصري إلى جانبها المادي المالي وهي الكلفة التي تتكبدها ميزانية الدولة وهذه ما قامت به وزيرة الخارجية جوليا بيشوب.
وهذا ما لا يقتنع به الصحافي المخضرم لوري اوكس الذي يرى ان الحكومة تستخدم ورقة اللاجئين كورقة انتخابية وهي تؤيد ضمناً تصريحات الوزير داتون.
من جهتها المعارضة العمالية طالبت رئيس الوزراء بإدانة تصريحات الوزير داتون العنصرية، وحزب الخضر دعى إلى طرد داتون من منصبه.
من جهته المدير التنفيذي لمؤسسة الرؤيا العالمية الخيرية تيم كوستيلو وصف مقاربة استراليا لقضايا اللاجئين وابعادهم الى جزر ناورو ومانوس بالتعذيب النفسي مضيفاً ان تصريحات داتون عن امية المهاجرين لا قت استحسان بعض الناخبين وقال كوستيلو ان زيادة ميزانية المساعدات الخارجية الاسترالية كان عنصر اساسي في حل ازمة اللاجئين في العالم.
أخيراً، من هنا حتى تاريخ الإنتخابات في الثاني من تموز القادم علينا أن نتوقع المزيد من المفاجآت خصوصاً أن شعبية رئيس الوزراء تلقت صفعة أخرى في آخر استطلاعات الرأي مما قد يضطره إلى الذهاب بعيداً في سياسته لسكب بعض الأصوات من أجل الإحتفاظ بمنصبه بعد أن أخفق أن يكون قائداً وطنياً تغييرياً كما أسلفنا وأصاب شريحة واسعة من الناخبين بالإحباط.
وننهي بلفت نظر الوزير داتون الذي وصف اللاجئين بالأميين وإنهم لا يعرفون الحساب ولا يجيدون القراءة والكتابة بلغتهم الأصلية، ناهيك عن اللغة الإنكليزية ان المعلمين في ولاية نيو سوث ويلز حصلوا على كتيّب لإعادة تأهيلهم بسبب اخفاقهم في كتابة الإملاء وقواعد اللغة الإنكليزية، وهنا نشير إلى أن الحكومة الحالية كانت قد اقتطعت أموالاً طائلة من ميزانية التعليم وأخفقت في تمويل خطة كونسكي لتمويل المدارس. علماً انها عادت وقدّمت مبلغ 1.2 مليار دولار حتى العام 2020 للحد من الانتقادات التي وجهت لها وطبعأ لنفس الأسباب الانتخابية.
ونحب ان نشير الى انه وحسب مكتب الأحصاء الاسترالي في 30 حزيران 2015 فهناك 28% من مجموع سكان استراليا اي 6.7 مليون مواطن مولدين خارج استراليا. هذا بالاضافة الى ان جميع سكان استراليا ما عدا السكان الأصليين (الابوريجنال) ام مهاجرين او لاجئين او ابناء مهاجرين ولاجئين او احفاد مهاجرين ولاجئين، لذلك نرى ان تصريحات داتون لا تخدم المصلحة الوطنية وان كانت تخدم بعض السياسين في الانتخابات لان مستقبل البلاد وازدهارها وامنها اهم من احتفاظ رئيس وزراء او وزير او نائب بمنصبه، لذلك نشدد على السياسيين ان تكون مقاربتهم للقضايا الوطنية بعيداً عن التهييج العنصري والشعارات الانتخابية ومصارحة الناخبين بسياساتهم الاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها ومن ضمنها سياسية الهجرة ليحصلوا على ثقتهم.