بداية، وبعيداً عن لازمة الرابحين والخاسرين التي ترافق الميزانية كل عام يجب علينا النظر إلى الصورة بأبعادها كافة، وأولها عنصر المصارحة مع المواطنين الذي يعتبر مقدمة لأي عملية إصلاح إقتصادي، سياسي، اجتماعي، ثقافي وتعليمي.
وهنا يأتي السؤال الأول: هل صارحت الحكومة مواطنيها عند تقديم ميزانيتها؟ لنحصل على الجواب الشافي على هذا السؤال علينا النظر إلى ما لم يقله وزير الخزينة سكوت موريسن أكثر من الذي يحاول الترويج له (النمو والوظائف) لأن المسكوت عنه والمُضمرأخطر، فعندما تحين ساعة المصارحة من المنظور الحكومي يكون الضرر قد وقع وانتُخبَ من انتُخب.
السؤال الثاني: لماذا وأثناء الحديث عن النمو يتم ربط عملية النمو بإقتصاد آخر، أي الإقتصاد الصيني؟ نطرح هذا السؤال مع وعينا الكامل أننا نعيش عصر العولمة وترابط إقتصاديات العالم. نعم الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا، ووقعنا معها اتفاقية تجارة حرة السنة الماضية، وزارها رئيس الوزراء قبل شهرين على رأس أكبر وفد من رجال المال والاعمال، لكن ما هي الضمانات أن يستمر شهر العسل في علاقاتنا مع الصينّ؟ خصوصاً اذا ما أخذنا بعين الإعتبار الوضع المتازم في بحر الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا. وكلنا يذكر قرار انونيسيا قبل بضعة أعوام وقف استيراد الأبقار الأسترالية والاثر الذي تركه على المزارعين لعدم وجود سوق بديلة.
السؤال الثالث: كيف يكون تأمين الوظائف والنمو وقرابة 75% من القوى العاملة وعامود الإقتصاد تناستهم الحكومة في ميزانيتها أي الأشخاص ذوي الدخل ما دون 80 ألف دولار.
السؤال الرابع: لماذا التركيز على سدّ العجز في الميزانية (وهذا شيء مشروع طبعاً) لكن هل الظروف الحالية تسمح للحكومة بالحدّ من النفقات وزيادة الضرائب؟
في الوقت الذي يحتاج فيه الإقتصاد إلى زيادة الوظائف والنمو والتحول من الأقتصاد الذي يعتمد على تصدير المواد الاولية الى اقتصاد خدمات، فإن سياسة الحد من النفقات لها مردود سلبي، ولذلك بادر البنك المركزي إلى تخفيض سعر الفائدة لتشجيع الانفاق ولو كانت الدورة الإقتصادية سليمة كنا رأينا البنك يتحرك بالاتجاه المعاكس، علماً أن وضع أستراليا الإقتصادي متقدّم بكثير على غيره من إقتصاديات العالم المتقدم، والديون الخارجية لا تتعدى 14% من الدخل القومي. السؤال الخامس ماذا عن القطاع الصناعي وخصوصاً قطاع صناعة السيارات والحديد، وما هي خطط الحكومة لإستيعاب العاملين في قطاع صناعة السيارات التي ستقفل مصانعها في استراليا العام القادم؟ كما تساءل النائب المستقل نيك زينفون. وأخيراُ، وليس آخراً، ماذا عن مشاريع الطاقة النظيفة والتغيرات المناخية، وماذا عن حلم المواطن الأسترالي في تملك منزل خصوصاً إذا لم يكن لديه عائلة غنية لتساعده لشراء منزل، حسب نصيحة رئيس الوزراء، علماً ان الميزانية لم تتطرق لا من قريب أو بعيد إلى الإستثمار السلبي (نيغتيف غيرنغ) أو الأرباح على رأس المال، وعوضاً عن ذلك شنّ رئيس الوزراء حملة "تخويف" من خطة حزب العمال لتغيير العمل بالإستثمار السلبي وتخفيض الأرباح على رأس المال. وأين دور التعليم في عملية النمو وتأمين الوظائف في الوقت الذي تقطر الحكومة الدعم لهذا القطاع بعد الإقتطاع الكبير في ميزانية عام 2014 حيث عوّضت الحكومة في ميزانيتها مبلغ 1.2 مليار دولار من تلك الإقتطاعات لقطاع التعليم.
وهنا نأتي إلى السؤال الأخير والأساسي، هل هذه هي الميزانية التي سترتكز عليها الخطة الاقتصادية الوطنية التي تتحدث عنها الحكومة والتي اعلنتها كشعار لحملتها الانتخابية، وهل ستؤمن الميزانية النمو والوظائف والأموال لدفع التخفيضات الضريبية للشركات والتي قدّرتها وزارة الخزانة بأكثر من 48 مليار دولار لعشر سنوات، هذا طبعاً اذا استثنينا نمو الوظائف الحكومية التي هربتها الحكومة من خلال تعيين 28 موظفاً ومديراً وسفيراً من محازبيها في مؤسسات مختلفة قبل ان تنتقل الى تصريف الاعمال (سدني مورنيغ هيرالد 7-8 أيار 2016 ص 11). طبعاً، هذا لا يتم بميزانية من الضمادات الإنتخابية، بعيداً عن الجراحة الإقتصادية والضريبية والسياسية والمصداقية التي تعاني من عجز يفوق العجز بالميزانية الذي تتذرع به الحكومة، وماذا عن الثقة التي يعوّل عليها رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول في حملته الإنتخابية، لأننا من خلال تجربتنا معه لا نعرف ما هي القضايا التي ستكون مطروحة على طاولة البحث، وإذا ما كانت اية قضية مطروحة متى سيتراجع عنه رئيس الوزراء.
بالختام، رغم هذه المحاولة من رئيس الوزراء لكسب أصوات الناخبين إلا أنه سوف يُفاجأ بأن الناخبين سوف يصوتون بعيداً عما جاء في الميزانية حتى من قبل من قد يعتبرون من الرابحين! والأيام والإنتخابات التي اصبح لها تاريخ محدد (2تموز/يوليو) القادم بيننا هي الحكم والفيصل، وهذا الاعتقاد بناء على ما جاء قبل اسبوعين في الصحف عن استعداد المواطنين لدفع المزيد من الضرائب مقابل خدمات أفضل.
وننهي، بما قاله محرر الشؤون الإقتصادية في صحيفة ذي سدني مورنيغ هيرالد روس غيتنغ في مقالته التي عنونها الوظائف، والنمو قد يكون يوماً بعيداً جداً (7-8 أيار ص 6 قسم الشؤون الإقتصادية) وفند غيتنغ في مقالته المقاربة الخطأ للميزانية لقضايا العجز، النمو، الوظائف، والتخفيضات الضريبية للشركات من 30% إلى 25% على مدى عشر سنوات بالإضافة إلى الإنفاق. وعلينا ان لا ننسى اننا امام حملة انتخابية من 55 يوماً وهي من اطول الحملات، وقد تكون حافلة بالعديد من المفاجآت والمواقف التي قد تغير مزاج الناخبين!