منذ مدة وصلتني دعوة من الأخوة في منظمة الحزب الشيوعي اللبناني في سدني للمشاركة في ندوة عقدت في سدني الأثنين 12/2/2016، والتي كان لي شرف المساهمة في نشاطها إلى جانب أصدقاء آخرين، لمناقشة مشروع الوثيقة السياسية التي سيناقشها الحزب الشيوعي اللبناني في مؤتمره الوطني الحادي عشر.
تتصدى الوثيقة لقضايا دولية اقتصادية، مالية، سياسية، التقدم والديمقراطية، ودور اليسار وقوى التقدم في تجاوز النظام الرأسمالي والخيارات المتاحة للوقوف في وجه الهجمة الامبريالية التي تعتبرها الوثيقة مصدر الخطر الرئيسي، بالاضافة إلى ذلك تتضمن الوثيقة عرض لقضايا الوضع العربي الحالي بكل تشعباته ومشاكله والسبل الآيلة لمواجهة هذا الوضع، وأخيراً تنتقل الوثيقة إلى الوضع اللبناني السياسي، الاقتصادي والاجتماعي من كل جوانبه. لست هنا في وارد مناقشة ما دار في ندوة سدني على أهميته أو مشروع الوثيقة السياسية التي عرضنا لعناوينها المهمة، ولكن ما يجدر التنويه به، هو هذه المبادرة بدعوة ناشطين وأشخاص غير حزبيين لأخذ آرائهم بالوثيقة والإقتراحات التي يرونها مناسبة من أجل تطوير الوثيقة وإغناءها ونقل الآراء إلى القيادة في لبنان.
هذه المبادرة إن دلت على شيء فإنها تدل على وعي من منظمة سدني وقيادتها للتواصل مع أطياف المجتمع ومكوناته من أجل الإرتقاء بالعمل السياسي، بعيداً عن سياسة الإلغاء ونفي الرأي الآخر كالحال التي نعيشها في العالم العربي حيث الإلغاء المادي والجسدي والتدمير الثقافي الممنهج الذي تمارسه القوى الإرهابية والظلامية التي تضرب عرض الحائط كل القيم الانسانية، السياسية والاخلاقية.
هنا، أحب أن أشير إلى ان ما وصلنا اليه في هذا الزمن الداعشي سبقته أحداث وحروب كثيرة (وأخطاء غير قليلة) بدايتها في العام 1975 عام بداية الحرب الأهلية اللبنانية والتي كان من أهم أهدافها استهداف الأحزاب العلمانية العابرة لكل مكونات المجتمع الطبقية والطائفية (كالحزب الشيوعي، الحزب السوري القومي الاجتماعي، القوميون العرب، حزب البعث، الأحزاب الناصرية) وطبعا كانت لهذه الحروب أهداف أخرى لا تقل أهمية، ولكن ما حصل من مشاكل وأزمات داخلية التي عانت منها الأحزاب تلك أدت إلى إفراغ الساحة أمام هذا المد التكفيري الذي ركب موجة ما عُرف بالمد الإسلامي بعد تطويق وضرب المشروع القومي العربي وتراجع دور الأحزاب الشيوعية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي.
أخيراً، ورغم الهجمة والمخططات التي تستهدف لبنان والبلدان العربية وما يحكى عن سايس بيكو جديد ودويلات طائفية ومذهبية ورغم الصورة القاتمة أعتقد أن الكرة هي في ملعب الأحزاب العابرة للطوائف والمذاهب والطبقات التي تستطيع أن تأخذ المبادرة من جديد وتعمل مع بعضها البعض ومشاركة المستقلين من مثقفين، أكادميين، سياسيين وكل أطياف المجتمع لوضع حد لهذا التدهور، وكما يقال أن تأتي الأمور متأخرة خيرا من أن لا تأتي أبداً. فهل تكون مبادرة شيوعيو أستراليا بداية الغيث؟