منذ أنقلاب مالكوم تيرنبول على طوني أبوت في أيلول 2015 كانت التوقعات من رئيس الحكومة الجديدة كثيرة وعالية السقف. شعارات برّاقة، آمال عريضة، أفكار كثيرة وبالفعل نجح الإنقلاب في رفع شعبية الحكومة ورئيسها الذي تقدّم بأشواط على زعيم المعارضة في كل استطلاعات الرأي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا حقق مالكوم تيرنبول وحكومته خلال تلك الفترة؟
الضبابية والغموض، الفضائح الوزارية، الخلافات الحزبية، التراجع عن الوعود البراقة واللعب على الكلام أصبحت ملازمة لصورة الحكومة، فإذا أخذنا مثلاً شعار الإصلاح الضريبي فإن كل الأمور الضريبية كانت على طاولة البحث إلى ما قبل الإستبعاد النهائي لضريبة السلع والخدمات (جي اس تي) لأنها غير شعبية وتضّر بفرص الحكومة في الفوز بالأنتخابات بسبب الحملة التخويفية التي بدأها حزب العمال، وبما أننا قد ذكرنا الإنتخابات فإنها ذاتها أصبحت حزورة هل ستكون في موعدها أو تجري في وقت مبكر بعد حلّ مجلسي النواب والشيوخ، وهنا طبعاً لا بد من الإيضاح أن هذا الأسلوب يفيد الحكومة حتى لا تعطي المعارضة أي فرصة للإستعداد للحملات الأنتخابية. إذاً، حكومة القرن الواحد والعشرين كما سمّاها رئيس الوزراء عند إنقلابه على أبوت لا تملك خطة للإصلاح الضريبي أو العلاقات الصناعية وتتبنى بالكامل مواقف حكومة أبوت من قضايا التغييرات المناخية، اللاجئين، زواج المثليين والإعتراف بالسكأن الأصليين في الدستور مع أن لرئيسها تيرنبول مواقف مغايرة تماماً لذلك بالإضافة إلى موقفه من تحويل استراليا إلى جمهورية حيث كان في العام 1999 على رأس تلك الحركة وكأن الحكومة لم تتعظ من محاولة أبوت - هوكي فرض ضريبة الميديكير عام 2014 فها هي تحاول خصخصة دفعات الميديكير.
رئيس حكومة القرن الواحد والعشرين نفسها وفي أقل من خمسة أشهر أجرى تعديلاً وزارياً كبيراً بسبب استقالة اثنين من وزرائه، رئيس الحزب الوطني ونائب رئيس الوزراء وارن تراست ووزير التجارة أندرو روب بالإضافة إلى ذلك فاحت روائح الفضائح لوزراء آخرين مال براف وزير الدولة لشؤون الولايات بسبب ضلوعه في فضيحة سليير - اشبي وفضيحة وزير شؤون المدن جيمي بركس على خلفية تحرشات جنسية بإحدى الموظفات بالإضافة إلى فضيحة الوزير ستيوارت روبرت على خلفية زيارته للصين ومخالفته قواعد السلوك الوزارية. يقول رئيس الوزراء إن حكومته الجديدة (المعدلة) تتصف بالديناميكية حيث أدخل فيها وجوهاً شابة بالإضافة إلى زيادة عدد النساء إلى ست في الصفوف الأمامية وعشر وزيرات مساعدات.
وهنا يطرح السؤال التالي نفسه، هل ستكون الدنياميكية على نفس الوتيرة السابقة؟
لا شك أن هذه الديناميكية برزت بوضوح حتى قبل التعديل الوزاري بعد أن تخلّت الحكومة عن حسّها الأنساني ضاربة عرض الحائط بسمعة استراليا الحسنة في معاملة طالبي اللجوء، بعد أن قررت ترحيل 237 من طالبي اللجوء إلى جزر ناورو ومانوس الذين احضروا إلى استراليا من أجل العلاج من الأمراض التي أصابتهم بسبب الظروف الغير صحية في مراكز الإحتجاز هناك، يشار هنا وأنه حسب سدني مورنيغ هيرالد العدد الصادر بتاريخ 20802/2016 الصفحة الأولى إلى أن حكومة تيرنبول تجري محادثات مع دول عدة من بينها الفيليبين، أندونيسيا وماليزيا من أجل استقبال طالبي اللجوء الموجودين في جزر ناورو ومانوس، ويذكر أن حزب الأحرار كان قد عارض إتفاق حكومة جوليا غيلارد مع ماليزيا لنقل اللاجئين في ما عرف بالحل الماليزي والذي اعتبرته المحكمة العليا لاحقا غير قانوني.
وعلى أرضية التشدد في حماية الحدود ومحاربة مهرّبي البشر، رفضت أستراليا عرضاً من نيوزيلندا لإستقبال 150 لاجئ من ناورو ومانوس والمعروف أن حزب العمال يجاري الحكومة في سياستها الخاصة بطالبي اللجوء. أخيراً، هل تستطيع الحكومة الإستمرار في سياسية الغموض والضبابية؟
كل الدلائل تشير إلى عكس ذلك حيث بدأت تتراجع في استطلاعات الرأي وآخرها أعطت 50% للحكومة والمعارضة بعد احتساب الأصوات التفضيلية، وتراجعت الأصوات الأولية المؤيدة للحكومة إلى 43% وارتفعت أصوات العمال الأولية إلى 35% وهي أقل من المستوى المطلوب للفوز 39%، وقد تراجعت أيضا شعبية رئيس الوزراء إلى 48% كرئيس مفضل للوزراء، ويتوقع المراقبون أن تخسر الحكومة عشرة مقاعد في حال ذهابها إلى انتخابات مبكرة والتي أصبحت احتمالاً جدياً في حال تم تمرير التغيرات المقترحة على طريقة انتخاب مجلس الشيوخ والتي تحظى مبدئياً بدعم حزب الخضر والسينتور نيك زينفون، والهدف من التغييرات وضع حد لوصول نواب إلى مجلس الشيوخ بنسبة ضئيلة جداً من الأصوات (0.5%) في احدى الحالات، وقد لاقى الاقتراح انتقادات شديدة من النواب المستقلين الذين اعتبروه استهدافاً لهم من الأحزاب الكبيرة علماً أن حزب العمال ينقسم حول هذا الإقتراح. وقد يكون من حسن حظ الحكومة الوحيد أن المعارضة وإن تقدمت في استطلاعات الرأي الاخيرة، فأنها قد لا تكون مؤهلة للفوز بالإنتخابات وهذا ما أكده النائب البارزغاري غري من غرب استراليا الذي قال من المستبعد الفوز بالإنتخابات والجدير ذكره أن غري واثنين من زملائه من غرب استراليا قرروا عدم الترشح للإنتخابات القادمة (س م ه 18/2/2016 ص 4) علماً أن استطلاع نيوز بول الأخير أظهر نسبة تأييد مرتفعة للسياسة الضريبية التي أعلنها بيل شورتن في مؤتمر حزب العمال في نيو سوث ويلز في 13/2/2016 والتي كان أهمها في ما يتعلق بالإستثمار السلبي في القطاع العقاري المعروف (نيغاتيف غيرنغ) والذي سيقتصر على المنازل الجديدة من تموز عام 2017 اذا فاز العمال في الإنتخابات القادمة. في الختام، نشير إلى أن الحكومة تواجه أزمة حزبية داخلية على خلفية اختيار مرشحيها للإنتخابات القادمة، لكن ذلك لا يخفي أن سياسة الحكومة الأكثر وضوحاً هي كسب أصوات الناخبين على حساب المصلحة الوطنية ومصارحة الناخبين بما يجب اتخاذه من إجراءات لحفظ المستوى المعيشي في البلاد، وهذا ما يفعله وزير الخزينة سكوت موريسن بعينه، كلام كثير وغامض وأفعال لا تذكر لأن موريسن وزير الهجرة وحماية الحدود والسرية التي رافقت عمله في تلك الوزراة هو غير مورسن وزير الخزينة، فالتشدد والغموض في الأولى يدر الأصوات الإنتخابية، بينما التشدد والغموض في الثانية يأتي بنتائج معكوسة تماماً، لذلك حتى تاريخه لا نعرف اذا كنا نواجه أزمة مداخيل أو أزمة إنفاق او متى سيعود الفائض إلى الميزانية وقد دخل رئيس الوزراء على خط سياسة الغموض وكسب الأصوات بشن حملة تخويفية على سياسة العمال الضريبية المتعلقة بالإستثمار السلبي، فبدل أن يعلن عن سياسة حكومته أعلن أن سياسة العمال سوف تؤدي إلى انهيار أسعار المنازل في البلاد وقد تعرضت تلك الحملة للإنتقاد وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدّل على أن شهر العسل الحكومي قد أنتهى ولا شك.