ترشيح الرئيس الحريري للنائب سليمان فرنجية بكل ما يمثله فرنجية وعلاقته الإقليمية والمحلية بدا، لفترة، أن ازمة الفراغ الرئاسي وتوابعها الى خواتمها السعيدة، ولكن في لبنان النهايات المرتجاة قد تكون بدايات مأساوية يُبدع اللبنانيون في اخراجها في لحظات تاريخية مفصلية كالتي نمر بها حالياً، وقد تُبلي القيادات اللبنانية التي تحاول جاهدة تصوير نفسها من سيخرج الأرانب من كم قميصه إبلاءاً حسناً في الإداء، وهذا ما حصل بالفعل عندما أقدم الدكتورسمير جعجع على ترشيح العماد ميشال عون خصمه التأريخي، وكأنه يريد أن يقول أن الخارج واستراتيجيته أصبحت فعلاً خارج الحدود ليَظهر العكس تماماً، حيث الإرتباط بين الفراغ وتلك الاستراتيجية متلازم من اجل تمرير أهداف لم يتأخر سمير جعجع في إظهارها.
وأهمها الإستهداف لفريق من اللبنانيين رغم حرصه على إظهار العكس، حيث دعى حزب الله الى النزول الى المجلس النيابي لإنتخاب من يمثل أكبر كتلة برلمانية مسيحية والأكثر شعبية.
اي الاكثر تمثيلاً وكأننا في لبنان نتقدم على سويسرا التي نمني النفس بأن يكون لبنان مثلها، حيث نردد دائماً ان لبنان سويسرا الشرق!
فجأة دقّت أجراس الكنائس في بيت الكتائب على نفس المنوال الذي دقّت به في معراب عندما أعلن الحريري ترشيح فرنجية، ويعلن رئيس الحزب سامي الجميل أنه ضد انتخاب رئيس من 8 آذارلا أصلي ولا تايواني.
الموارنة الأربعة الأقوياء كما يسمون أنفسهم، كانوا تعهّدوا كما هو معلوم بالإنسحاب لمن يملك أكبر الحظوظ والحيثية للوصول الى بعبدا، وها هم ينقلبون على ما تعهّدوا به أنفسهم، وكل واحد يضع الملامة على الآخر في التعطيل وخير دليل السجال الدائر حالياً بين حلفاء الأمس وخصوم اليوم وكأنهم يريدون تبليغ اللبنانيين انهم حريصون على روح الفراغ.
المتّهم الرئيسي بالتعطيل ومنع ملأ الفراغ في قصر بعبدا، هو حزب الله حسب الادبيات السياسية لقوى 14 آذار، حيث يعرف القاصي والداني أن حرب الترشيحات لحلفائه ما هي إلا نوع من الإستهداف السياسي للحزب، يترافق مع الإستهداف المالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية حالياً والاستهداف الاعلامي حيث رصدت 600 مليون دولار لهذا الغرض حسبما قال سفيرها السابق في لبنان جيفري فيلتمان، وهو امتداد للحرب على الحزب المستمرة منذ العام 1993 مروراً بالعام 1996 حتى العام 2006 وقبلها عبر القرار الأممي 1559.
الحزب إلتزم الصمت الى ان خرج السيد حسن نصرالله وحسمها في اطلالته الأخيرة في 29/01/2016 واعلن أن لدى الحزب التزام اخلاقي وسياسي بدعم ترشيح العماد عون ودعى لمزيد من الحوار.
وبالنسبة الى الوزير السابق سليمان فرنجية أعتبر نصرالله فرنجية حليف قديم وصديق عزيز والثقة بينهما قوية والمودة قديمة ووصفه بأنه نور عينيه.
والمهم، ما أعلنه نصرالله أن المشهد السياسي حتى هذه اللحظة هو عبارة عن ربح سياسي كبير لفريقه السياسي اي 8 آذار ، فهذا المشهد يقول أنه لم يعد هناك رئيس من 14 آذار وأن الرئيس من 8 آذار.
هنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي، ألم يكن يدري السيد نصرالله أن ما قاله عن الربح السياسي الكبير لفريقه سيشكل مأخذاً عليه لعدم انتخاب رئيس؟
وهذا ما حدث عندما علّق سمير جعجع ووليد جنبلاط على أقول نصرالله! بالطبع نصرالله يدرك جيداً ذلك كما يدرك أبعاد الترشيحات، لذلك أعلن أن ما يدعو إليه هوالمزيد من الحوار والتواصل والنقاش وعدم الإستعجال ويجب ان نسعى جميعاً لتفاهم حقيقي ورئيس يحظى بأكبر نسبة من التأييد ليستطيع إدارة البلاد والمساعدة في مواجهة البلد للتحديات القائمة، فماذا يقصد السيد نصرالله بالتفاهم الحقيقي؟
لا نستطيع ان نقوّل نصرالله ما لم يقله، لكن في قراءته هذا التفاهم لمواجهة التحديات تكمن الإجابة عن السؤال الأول حيث لدى السيد نصرالله من المعطيات ما يقدر أن يجنبه الدخول في السجال السياسي التبسيطي والشعبوي لمن يحاول الإيقاع بين حلفائه ولذلك توجه ليس الى القياديين في تيار المردة والتيار الوطني الحر وحسب، لا بل الى القواعد الشعبية.
أخيراً، وفي معرض نفيه لدور ايران في تعطيل انتخاب الرئيس في لبنان، دعى السيد نصرالله اللبنانين الى عدم انتظار الوضع الإقليمي والذهاب الى الحوار الداخلي، مضيفاً كلما انتظرتم المعطى الدولي والإقليمي هذا ليس من مصلحتكم، وبهذا يكون السيد نصرالله أجاب مرة أخرى عن السؤال الأول، وعن ربط وارتباط من رشّح حلفاءه بالمشاريع الإقليمية، وما يدور في سوريا خصوصاً والمنطقة بشكل عام، والشواهد على ذلك كثيرة منذ ما عرف بثورة الأرز التي انطلقت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج سوريا من لبنان، والتي قادها من تحوم حولهم شبهات الفساد والإستزلام للسوري قبل الإنقلاب على سوريا، ولتقديم أوراق اعتماد لدي من كان يروّج لمشروع الشرق الأوسط الجديد؟ وهنا موقف نصرالله واضح بعكس موقف جعجع الذي يخفي مناورة سياسية بغض النظر عن موضوع المصالحة واعلان معراب الذي نتمنى ان ينسحب على جميع اللبنانيين بعيداً عن الحرتقات التي يجيدها معشر الزعماء اللبنانيين وخدمة لمشغليهم الاقليميين والدوليين.
لا شك أن السيد نصرالله غيور على المصلحة اللبنانية، ويبقى السؤال هل ستتلاقى الأيادي من أجل الحوار الحقيقي وملاقات نصرالله في خطابه التصالحي وحماية البلد، الغارق ليس في الفراغ فقط، بل في الزبالة أجلكم الله؟