من سرّب؟ من شجّع؟ هل من مؤامرة؟ لماذا هذا التوقيت؟
اسئلة بديهية لا يستطيع المرء الا أن يطرحها بعد أن قدم او أُجبر سكرتير الحزب في نيوسوث ويلز جيمي كليمنتس على الإستقالة الأسبوع الماضي بعد مزاعم عن محاولة تقبيل للموظفة ستيفاني جونز في حزيران الماضي في مبنى البرلمان حيث تعمل في مكتب نائب منطقة كامبلتاون غريغ وارن.
الشرطة حققت ولم توجّه أية تهمة لكليمنتس الذي نفى الإدعاء، ولكنها كانت قد تقدمت من المحكمة بطلب لوضع امر بمنع العنف المرتقب ضد كليمنتس، ولاحقاً عادت وسحبت الطلب بعد ان وافق كليمنتس على ان لا يتواصل مع جونز لمدة عام. وكانت تحقيقات برلمانية استنتجت ان لا أدلة تعزز مزاعم جونز على الرغم من قلقها وخوفها من التواصل مع كليمنتس. وعلى خلفية نتائج تلك التحقيقات شنت عضو المجلس التشريعي في نيو سوث ويلز ليندا فولتز العمالية هجوماً عنيفا على تلك التحقيقات معتبرة انها تردع النساء عن التبليغ عن التحرشات الجنسية (س م ه 19/01/2016 ص 6) وفولتز عملت سابقا في الشرطة العسكرية وحققت في دعاوى التحرشات الجنسية في الجيش الاسترالي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. قانونياً انتهت القضية، لكن تداعياتها السيايسة اظهرت ان الوضع داخل الحزب ليس على ما يرام حيث صراع الأجنحة على أشده، حتى أن الصراع داخل جناح اليمين أشدّ ضراوة، وهذا احد أهم الأسباب التي أدت الى تسريب خبر طلب منع العنف المرتقب من اجل التخلص من جيمي كليمنتس الذي يدعم زعيم الحزب لوك فولي الذي ينتمي الى جناح اليسار والذي يعاني في استطلاعات الرأي حيث وصلت شعبيته الى 15 % من أصوات الناخبين. ولم يكتفِ أعداء كليمنتس من جناح اليمين بذلك بل قاموا بتسريب تفاصيل عن تقرير حزبي داخلي حيث يُتّهم كليمنتس من أحد أعضاء الحزب بإساءة استعمال صلاحياته للوصول الى اللوائح الإنتخابية والحصول على عنوان أحد الحزبين (غريغ ويلسون) كخدمة لرئيس نقابة العمال السابق ديريك بيلان الذي قدمها بدوره الى أحد أصدقائه ليهدد ويلسون، هذه التهمة نفاها كليمنتس بشدّة، كما تمَّ تسريب تقرير داخلي أعدته المحامية جين نيدهام عن وضع النساء في حزب العمال فرغ نيوسوث ويلز ويشير التقرير الى أن النساء يعانين من "بيئة ذات طابع جنسي". وعلى المستوى الفيدرالي زعيم الحزب بيل شورتن الذي يستعد هذا العام للإنتخابات، تحرّك بسرعة وضغط بإتجاه استقالة كليمنتس وكذلك فعلت القائمة بأعمال رئاسة الحزب في نيوسوث ويلز ليندا برني وحسب صحيفة سدني مورنيغ هيرالد 18(/01/2016 ص5) فان زعيم الحزب في الولاية لوك فولي الذي ما زال يمضي عطلته الصيفية، اتصل بكليمنتس وحثّه على الإستقالة.
أخيراً، هل دفع جيمي كليمنتس ثمن مساعدة فولي للوصول الى زعامة الحزب؟ وهل أصبحت أيام فولي في رئاسة الحزب معدودة؟
حيث من المعروف أن أعضاء اللجنة الإدارية الحزبية كانوا قد أعربوا عن خشيتهم الكبيرة من تنصيب زعيم للحزب من جناح اليسار، خصوصاً أن السكرتيرة بالوكالة كايلا مورنين والتي قد تصبح سكرتيرة أصلية، لأنها تحظى بدعم زعيم الحزب الفيدرالي بيل شورتن ليست مقربة من فولي وكانت قد عملت لمدة عامين في مكتب المنافس المرتقب لفولي وزير الظل لشؤون الخزينة مايكل دايلي، وكانت ايضاً قد خدمت في مكتب رئيسة الولاية السابقة كريستينا كينيلي والتي كانت من أشد المتحمسين لإقالة كليمنتس. على المدى القريب قد تكون زعامة فولي في وضع مريح إذا ما استمر الإنقسام داخل جناح اليمين حيث على الأقل هناك ثلث أعضاء هذا الجناح يؤيدون فولي حيث يحتاج خصومه الى تأييد 60 % من النواب للتخلص من زعيم الحزب حسب القوانين الحزبية الجديدة والتي اقرت في السنوات القليلة الماضية.
اذاً، أظهرت فضيحة كليمنتس هشاشة الوضع داخل حزب العمال في نيوسوث ويلز خصوصاً ان الأزمة أظهرت أن الطموحات الشخصية هي التي تسير الأمور بعيداً عن القضايا التي تهم الناخبين. وكما يقول المثل (مش من الرمانة، قلوب مليانة) وهذا ما أكده أحد العماليين المخضرمين القيادي الحزبي والوزير السابق غراهام ريتشردسون الذي قال أن مكتب الحزب في نيوسوث ويلز "معطّل كلياً" بقيادة كليمنتس بسبب اسلوبه في ادارة الشؤون الحزبية (دايلي تلغراف 16/01/2016 ص 65).
ونختم، انه في عام الانتخابات الفيدرالية فإن الحزبين الكبيرين العمال والاحرار لا يريدون ما يعكر اجواء حملاتهم الانتخابية، لذلك تحرك بيل شورتن بسرعة وتخلص من كليمنتس لان هناك ما يكفي من القلق لديه خصوصاً في ما يتعلق بتقرير اللجنة الملكية لمكافحة الفساد في نقابات العمال، وكذلك فعل رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول بالتخلص من الوزيرين جيمي بركس ومال براف لانه كما زعيم المعارضة لديه مشاكله مع الجناح المحافظ في حزب الاحرار الذي يؤيد رئيس الوزراء السابق طوني ابوت الذي اطاحه تيرنبول في ايلول عام 2015 ، واعتقد انهم يستنسخون عمل رجال اطفاء حرائق الغابات الذين يشعلون الحرائق الوقائية لتفادي الكوراث في موسم الحرائق!.