خلال السنوات القليلة الماضية شهدت استراليا نوعاً من التخبط واللااستقرار السياسي، كانت نتيجته تغيير خمسة رؤساء للوزراء، مع ما رافق ذلك من حرب القوانين حيث كان يتّم إقرار قوانين ليعاد إلغاؤها حتى من قبل الحزب الواحد.
تركت هذه الحالة أثراً سلبياً على صورة السياسيين ونظرة المواطنين لهم، وعلى طريقة شهد شاهد من أهله هذا ما أكده وزير الخزينة السابق جو حقي في خطابه الوداعي في البرلمان محذراً من استمرار تلك الظاهرة.
وقد أخذ المواطنون الغاضبون يتندرون على السياسيين، مع مقت لتلك الظاهرة، خصوصاً ان فترات الإستقرار التي حظيت بها البلاد خلال فترة حكم كل من بوب هوك وبول كيتينغ العماليين وجان هاورد الأحراري، شهدت استقراراً سياسياً رافقه ازدهاراً اقتصادياً لم تشهد له البلاد مثيلاً حيث استطاعت استراليا تفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008- 2009 بأقل الخسائر.
ما هي الأسباب، هل هي التغطية الإعلامية على مدار الساعة، او ملاحقة استطلاعات الرأي، او عدم وجود زعماء لهم كاريزما، او حب الأنا والاستئثار بالسلطة، أم كل هذه الأسباب مجتمعة؟ هل هذه الظاهرة ستصبح طبيعية في السياسة الأسترالية وما هي نتائج استمرار تلك السياسة على مستقبل البلاد الإقتصادي، السياسي والإجتماعي؟
حول هذا الموضوع استطلعت بانوراما آراء بعض المهتمين بالشأن العام وسألت:
1.هل وصول مالكوم تيرنبول الى رئاسة الوزراء بعد الإنقلاب على طوني أبوت في 14/09/2015 سيضع حداً لظاهرة الباب الدوّار في تغيير الزعماء دون العودة الى الناخبين رغم دستوريتها، وهل مقاربته للأمور تختلف عن سلفه طوني ابوت خصوصاً وانه وصف نفسه بأنه إصلاحي بطبيعته؟
2.ما هي أسباب تلك الظاهرة وما هي الآثار والنتائج التي قد يخلفها استمرار هذه الظاهرة على مستقبل البلاد الإقتصادي والإجتماعي والإستقرار السياسي ونظرة المواطنينين للسياسيين؟
الكاتبة ميرنا عبدالحميد الشعار
ناشطة سياسية / سيدني
مما لا شك فيه ان قرار عزل طوني أبوت من موقعه السابق كرئيس لوزراء أستراليا كان سليماً وضرورياً للغاية خصوصاً بعد المشاكل التي تسبب بها شخصه وتصرفاته وكلامه وسياسته اليمينية المتطرفة لدرجة حملت زملائه في الحزب التخلي عنه واستبداله بمالكولم تيرنبول وهو شخص له كاريزما عالية وسياسة يمينية ولكن غير متطرفة.
ومما قسم ظهر البعير - بالنسبة لموقف الشعب الاسترالي تجاه طوني أبوت ويقينه ان ما فعله ابناء حزبه من عزله هو قرار صائب- هو ما صرح به أبوت في خطاب يوم الثلاثاء الواقع في 27 اكتوبر 2015 خلال المناسبة السنوية لـ "محاضرة مارغريت تاتشر" في لندن والذي أثار جدلاً كبيراً حول كلامه وامتعاضاً اكبر من الشعب الاسترالي ومنهم نجم لعبة الولابي الشهير دايفيد بوكوك والذي انتقد كلام أبوت الذي حث فيه الاوروبيين في رد القوارب التي تحمل طالبي اللجوء الى حيث اتت وسد ابواب المدائن امام تدفق اللاجئين.
وهذا الاجراء الذي اتخذه حزبه لا اسميه انقلاباً بل ممارسة للعمل الديموقراطي بامتياز وان القائد يظل تحت المراقبة والمحاسبة لتحقيق سياسة الحزب الذي انتخبته غالبية الشعب الاسترالي.
واميل للاعتقاد اكثر الى ان لكل حالة من حالات تغيير رئيس الحزب لها ظروفها، سواء كان الرئيس في موقع القيادة الفدرالية او الولايات او في المعارضة.
فبالنسبة لعزل أبوت فإن هذا لم يأت مفاجأة بل كان محسوباً وقد أعطي إنذاراً في شباط/فبراير 2015 وفرصة ان يُحسن أدائه ولمدة ستة اشهر لم يستطع خلالها ان يفي بوعوده فعزلوه.
ويجدر ذكره ان المنافسة على قيادة الحزب بهذا الشكل الكبير لم تبدأ هذه السنة بل منذ سنوات ونذكر منها القريب في عام 2008 حيث تم تغيير القيادة الحزبية وربح تيرنبول على منافسه براندن نيلسون وكان ان اصبح –نتيجة لذلك - رئيساً للمعارضة في الحكومة الفدرالية ومن ثم تغيرت رئاسة المعارضة بسبب منافسة أبوت ضده والربح عليه عام 2009.
إذاً لقد كانت الاجراءات قانونية وضرورية وغير مفاجئة هذه المرة وهذا بعكس ما حصل لكفين راد (رئيس حكومة أستراليا العمالي) عام 2010 الذي انقلب عليه زملائه ونائبته السيدة جوليا غيلارد والتي – نتيجة لهذا الانقلاب المفاجىء - اصبحت تاريخياً اول سيدة رئيسة للحكومة الفدرالية الاسترالية.
وكان الحدث صادماً للكثير من الناس واولهم كيفن راد الذي شعر بالغدر وانه تعرض لخيانة اقرب الناس اليه مما أثر على اعصابه سلباً وجعله متوتراً فأجهش بالبكاء وهو يلقي خطابه بعد العزل.
هذا التصرف من شأنه ان يُصنَف على انه "انقلاب" ومفاجئة وأزمة اصابت الحزب ومن جرائه خسروا شعبيتهم وفقدوا قيادتهم للدولة في الانتخابات التي تمت عام 2013 وقد اهتزت جدياً ثقة الشعب الاسترالي بالحزب العمالي وخصوصاً ان استبدالهم بجوليا غيلارد لم يكن موفقاً حيث وجدت صعوبة بالغة في اقناع الشعب بها وبشخصيتها التي كانت تبدو في اكثر الاحيان، مرتبكة.
بالعودة الى سؤالك الرئيسي فرأيي ان مالكولم تورنبل لن يوقف ما اسميته "الباب الدوار" لانه – في رأيي - ليس باباً دواراً بل عملية ضرورية بين اعضاء الحزب الواحد حين يشعرون ان قائد حزبهم يشت عن سياسة الحزب ولا يلبي اهداف الحزب الذي انتخبه الشعب لاجله.
وهذا كله بمشاهدة الشعب وبركته لهذه الخطوة خصوصاً بالنسبة لمالكوم تورنبول فهو شخص محبوب وشعبي ومتحدث لبق وقد كان العديد من الاستراليين – حتى الذين يفضلون حزب العمال على الاحرار - كانوا يتمنون وصول ترنبول الى سدة السلطة الفدرالية حيث يشعر العديد انه سوف يمثل الاستراليين خير تمثيل سواء على الصعيد الداخلي اوالخارجي خاصة بعد المواقف الحرجة التي ادخل نفسه طوني أبوت وحزبه والشعب فيها.
اما بالنسبة للنتائج فإن كل تجربة – كما ذكرت اعلاه - لها ظروفها ونتائجها الخاصة بها، فمثلاً، هذه الخطوة (انتخاب ترنبول) كانت لها نتائجها الايجابية الفورية على اقتصاد أستراليا وثقة الدول العالمية به مما انعكست ايجاباً على الحزب الحاكم وزاد من رصيده شعبياً وعالمياً.
اما بالنسبة لتجربة كيفن راد فقد كانت مأساوية حيث دخلت العواطف الشخصية في هذا التغيير وغلب الشعور في الانتقام لدى راد لدرجة جعلته يتصرف كما يقول المثل:
"عليّ وعلى اعدائي".
فقد كان شغله الشاغل اعادة انتخابه كرئيس للحكومة الى ان صار ما اراد وأُعيد انتخابه مرة اخرى رئيساً للحزب العمالي وبالتالي رئيساً للوزراء ولكنه استقال وحل البرلمان وطلب انتخابات فدرالية جديدة عام 2013.
وهكذا كان....
ولكن الحزب خسر في الانتخابات خسارة فادحة وفضل الكثير من الناس انتخاب طوني أبوت – بالرغم من عدم اقتناع الكثير بامكانياته لتولي هكذا منصب - على ان ينتخبوا حزب العمال لانهم فقدوا ثقتهم بسياستهم وقياداتهم المتأرحجة.
يفتقد حزب العمال الى قيادة حكيمة الان وهذا ما سيؤثر على سياسة البلد للعشر سنوات القادمة.
الى ذلك الحين...
سيظل النظام الاسترالي عادلا بنسبة عالية وذلك ان المحاسبة والتغيير يتمان بشكل صحي وجيد بعكس انظمتنا العربية التي فيها يستأثر الحاكم في الحكم ولو كان الثمن دمار شعبه وبلده.
الدكتورة بشرى العبيدي
نائبة رئيس منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي- سيدني
بأعتقادي ان التغيير المتكرر لرئاسة الحزب ومن ثم رئاسة الوزراء هـي ظاهـرة غير صحية وبالأخص حين تكررت بشكل مُلفت للنظر.
وفي استراليا بالذات بعد ان كانت الحكومات السابقة اكثر استقرارا وهـذا ما واكبته أنا شخصياً منذ وصولي الى استراليا عام ١٩٩٨ حين كان السيد جون هـاوارد رئيساً للحكومه وكان حينذاك الوضع الاقتصادي مزدهـر ومستقر.
من وجهـة نظري الشخصية انالتغيير ليس هـو السبب في تفاقم الوضع الاقتصادي كما يظن الكثيرين من الناس وإنما العكس هـو الصحيح.
ان سوء الأوضاع الاقتصادية هـو الذي أدى الى التخبط في قرارات الحكومة مما جعلهـا تضطر لتبديل الوجوه رغم ان سياسة الحزب الحاكم هـي نفسهـا لم ولن تتغير.
انهـا حلقه مفرغة لا يمكن فكهـا إلا بتحسين الوضع الاقتصادي وزيادة فرص العمل للتقليل من نسبة البطالة.
لكن الشئ المهـم والذي احترمه في كافة الأطراف التي تقود هـذا البلد الديمقراطي الجميل انهـا تعمل من اجل مصلحة الوطن رغم اختلاف التسميات سواء الحزب الليبرالي أو الديمقراطي والكل يعمل بإخلاص وجد في خدمة المواطن الأسترالي بالدرجة الاولى.وهـذا مع الأسف لم ولن نراه في بلداننا العربية أبداً.
الكاتب طنوس فرنسيس
محاسب قانوني وناشط اجتماعي
بالنسبة للسؤال الأول:
ليس هناك ما يجعلني أعتقد أن وصول تيرنبول إلى رئاسة الوزراء سيضع حدًا لظاهرة
الباب الدوّار، لأن هذه الظاهرة أعمق بكثير من تغيّر ألأشخاص. وسنتطرق إلى أسبابها في الجواب على السؤال الثاني.
أما حول الإختلاف عن سلفه فإننا لم نرَ حتى الآن أي سياسات من تيرنبول، كل ما قّدمه هو حلو الكلام.
لم يميّز نفسه عن "أبوت" لا في "زواح المثليين" ولا في "اللاجئين" ولا "في الإنحباس الحراري"، مع أن سياسته في الموضوع الأخير كانت السبب في خسارته لقيادة المعارضة آنذاك لصالح "أبوت"، وفي موضوع "الجمهوريّة" لا يبدو متحمسا" كما كان في السابق.
يمكن القول – حتى الآن – أن التفارق الوحيد والمهم عن "أبوت" هو كيفيّة تعاطيه مع الجاليات الإسلاميّة.
ففي حين تمسّك تيرنبول بخطاب عقلاني توحيدي جامع لا سيّما بعد جريمة باراماتا اتّسم خطاب "أبوت" بالإستفزاز والتفرقة خلال فترة رئاسته.
على كل حال، علينا أن ننتظر ميزانيته لنرى.
بالنسبة للسؤال الثاني:
يمكن القول أن حب السلطة هو السبب الأهم.
حب السلطة المعبر عنه أحيانا "بالبرغماتية" أو بالشعار" إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون".
ففي الغالب كل ما يهم نائب المنطقة هو أن يعاد إنتخابه ولا يهمه من هو الأفضل وما هي السياسات الفضلى لمصلحة أستراليا، لذلك ما أن تبدأ شعبية الحكومة ورئيسها في الإنحدار في استطلاعات الرأي حتى يبدأ النائب بالضعط على حكومته. إما لتغيير السياسات أو لتغيير القائد وكلما تكرّر الأمر في استطلاعات الرأي ازداد الضغط على الحكومة ورئيسها ويبدأ الحديث عن البدائل والإحتمالات، وتبدأ مراكز القوى ضمن الحزب بإعداد ميزان الربح والخسارة، ويتنطح البديل المحتمل للعب دور المنقذ فقط من أجل الوصول إلى السلطة. هذا ما حصل مع "راد" وهذا ما حصل مع "غيلارد" وهذا ما حصل أخيرا مع "أبوت"، ولا شيء يمنع أن يحصل نفس الشيء مع تيرنبول.
طبعاً لا يمكن هنا إغفال دور وسائل الإعلام المتواصل (24 على 24) ووسائط التواصل الإجتماعي والتعليقات الناريّة والمغرضة في أغلب الأحيان في تحويل مسألة مناقشة وإقرار وتطبيق السياسات العامة إلى مسألة شبيهة بإعداد وتناول وهضم وجبة غذاء سريعة والويل للمتأني.أما بالنسبة إلى الآثار والنتائج التي يخلّفها استمرار هذه الظاهرة على مستقبل البلاد الإقتصادي والإجتماعي والإستقرار السياسي فهي آثار كارثيّة إذ أنّ هذا سيمنع أي حكومة من أن تضع سياسات مفيدة، صحيحة، ضرورية، مستشرفة، تقدمية ولكن غير شعبوية، مخافة أن تسقط من الداخل قبل أن تسقط من الخارج.
وهذه الحال هي قمة البؤس السياسي والبلاء الإقتصادي. ولقد أحسن فعلاّ حزب العمّال حين أشرك أعضاءه في عمليّة إختيار قائد الحزب بدل أن كانت تقتصر في السابق على نواّب
فراس ناجي/ سيدني
مهندس وناشط مجتمعي في الجالية العراقية والعربية
س 1- هل وصول مالكوم تيرنبول الى رئاسة الوزراء بعد الإنقلاب على طوني أبوت في 14/09/2015 سيضع حداً لظاهرة الباب الدوّار في تغيير الزعماء دون العودة الى الناخبين رغم دستوريتها، وهل مقاربته للأمور تختلف عن سلفه طوني ابوت خصوصاً وانه وصف نفسه بأنه إصلاحي بطبيعته؟
طبعا من الصعب جدا التنبؤ فيما سيحدث على الساحة السياسية بصورة عامة في زمننا هذا وخصوصا في الساحة السياسية الاسترالية التي كما تناولتم في مقدمتكم تمر في حالة عدم استقرار سياسي بحيث تم تغيير خمسة رؤساء حكومات خلال خمسة سنين. خاصة ان مالكوم تيرنبول نفسه تم الانقلاب عليه عندما كان زعيما للمعارضة في 2009 حيث لم تستمر زعامته أكثر من 14 شهرا وفقد هذه الزعامة حينها الى طوني أبوت. هناك تحديات كبيرة تواجه رئيس الوزراء الجديد مالكولم تيرنبول من أهمها نزعته الاصلاحية وافكاره التقدمية خاصة بالنسبة لحماية البيئة وتأييده لتحول النظام السياسي الاسترالي من الملكية الى الجمهورية بالأضافة الى تعاطفه النسبي مع اللاجئين والتي لا تتماشى مع الافكار المحافظة لمعظم سياسيي حزب الاحرار وقاعدته الانتخابية.
ولعل أكبر هذه التحديات التي يواجهها تيرنبول هي تلك المتعلقة بطريقة تعامله مع فريق عمله ضمن حزب الاحرار حيث اتهم بالانفرادية في اتخاذ القرارات وعدم استشارة ممثلي مراكز القوى في الحزب حين كان زعيما للمعارضة وهذه الامور هي التي ادت الى الانقلاب عليه في 2009 وهي نفسها ادت الى الانقلاب على رئيس الحكومة الاسترالية الاسبق من حزب العمال كيفن راد.
ان هذه الانفرادية في اتخاذ القرارات هي من مميزات السياسيين ذوي الشخصيات القوية وأصحاب الرؤية المستقبلية للبلد من امثال مالكولم تيربول وكيفن راد ويبقى التحدي الاكبر لمثل هذه الشخصيات هو كيفية تعاملهم مع رفاقهم في الحزب وعامة الشعب بحيث لا يكون التغيير سريع وحاد مما يؤدي الى شعور الناخب الاسترالي بالتهديد وعدم الاستقرار وبالتالي يؤدي الى نزول شعبية هؤلاء القادة في استطلاعات الرأي والانقلاب عليهم من داخل حزبهم.
س 2- ما هي أسباب تلك الظاهرة وما هي الآثار والنتائج التي قد يخلفها استمرار هذه الظاهرة على مستقبل البلاد الإقتصادي والإجتماعي والإستقرار السياسي ونظرة المواطنينين للسياسيين؟
الاسلوب الممنهج، الاحترافي والرتيب ضمن ماكنة الحزبين الرئيسيين في استراليا:
الاحرار والعمال، ادى الى وصول قادة لهذه الاحزاب يحترفون تيسير اتخاذ القرارت ضمن مراكز القوى في هذه الاحزاب ولكن يفتقدون للكاريزما وللرؤية المستقبلية مثل جوليا كيلارد وبيل شورتن من العمال وبراندون نيلسون وطوني أبوت من الاحرار.
ان مثل هؤلاء القادة يقادون من خلال استطلاعات الرأي ولا يقودون شعبهم ولذلك تنزل شعبيتهم في استطلاعات الرأي بصورة سريعة ويتم تبديلهم.
بينما القادة الاخرون من امثال كيفن راد ومالكولم تيرنبول والذين يدفعهم الى الحكم رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية ويسعون لتنفيذ برنامج خاص لتحقيق هذه الرؤية، يؤدي حماسهم واخلاصهم لرؤيتهم الى تنفير مراكز القوى في احزابهم وتهديد اصحاب الاموال والقوة في المجتمع الاسترالي مما يؤدي الى محاربتهم في الاعلام والترصد عليهم كما حدث لكيفن راد الذي حاربه لوبي صناعة التعدين عند استحداثه لضريبة التعدين في 2010 حتى تم اسقاطه.
ان استشراء ظاهرة التغيير السريع لرؤساء الحكومات الاسترالية وهذه الحلقة المفرغة من عدم الاستقرار السياسي يؤدي الى أن يدفع المجتمع الاسترالي ثمنا باهضا من خلال عدم الازدهار الاقتصادي والتخلف عن الركب العالمي في مجالات البيئة والتنمية الاجتماعية والبنية التحتية للمجتمع الاسترالي.
ويؤكد قراس ناجي:
ان ظاهرة انقلاب الحزب السياسي على قائده الذي فاز بالانتخابات العامة وتعيين قائد سياسي اخر غير منتخب من الشعب لزعامة هذا الحزب يخالف العرف السياسي التقليدي الاسترالي الذي يتطلب ان يذهب كل حزب سياسي الى الانتخابات العامة ببرنامج واضح وبقائد محدد يصبح رئيس الحكومة اذا فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان.
كل هذا قد يؤدي الى عزوف الشعب عن المشاركة الفعالة في الانتخابات والعملية السياسية وزيادة نفورهم من السياسيين خصوصا ان نظرة الشعب الاسترالي لسياسييه هي غير ايجابية تقليديا.
الدكتور عماد برو
متخصص في علم الجراثيم
نائب رئيس المركز الثقافي العربي الاسترالي/ سيدني
اعتقد أن اففضل توصيف للوضع السياسي الحالي في استراليا، جاء على لسان السناتور الاحراري المثير للجدل كوري برناردي حين وصف الوضع السياسي على اثر "إنقلاب تيرنبول على ابوت"بأنه "كسيرك" قائم بحد ذاته،وأننا نفتقد لقيادة واعية !واذا اخنا بعين الاعتبار ما يحصل منذ عام 2007 حتى تاريخه، أي منذ رحيل السيد جون هاورد الاحراري بعد خسارته انذاك امام كيفن راد العمالي، لاسباب قيل انذاك انها داخلية ولها علاقة بالصراعات على النفوذ داخل حزب الاحرار، واقصاء وزير الخزينة انذاك بيتر كوستيلو عن قيادة الحزب والدولة كما وعده هاورد، مروراً بمت حصل عند حزب العمال من زعزعة للواقع السياسي من خلال الانقلابات المتتالية بين غيلارد وراد وحتى رحيل السيد ابوت في ايلول الماضي بعد "الانقلاب الابيض" عليهفاننا نرى ان السبب الرئيسي والاساسي لهذه الظاهرة ناتجة عن عوامل كثيرة من اهمها غياب الديمقراطية في جميع الاحزاب الاسترالية من حزبي الاحرار والعمال الى الخضر الى غيرهم، وغياب القيادة الواعية الواعدة لتلك الاحزاب ولأننا نعيش في دولة ديمقراطية حديثة، فان دور الاحزاب اساسي فيها، وفي آلية اصلاح وتغيير المؤسسات في مجتمعنا لكن نرى أن الاحزب اصبحت هي بحاجة الى الاصلاح وعاجزة عن تقديم انجازات تساهم في بناء المجتمع الاسترالي.
لذلك، اعتقد بان استراليا اليوم تعاني من ادنى مستوى في العمل السياسي، وفي مواصفات السياسيين بأكثرهم، اذا ما تمت المقاربة والمقارنة بين استراليا والدول المتقدمة، وذلك نظراً لغياب البرنامج والرؤية المستقبلية لهذه الاحزاب، وتحولها الى احزاب تتعامل بسياسات الفعل ورد الفعل، والتلهي بالأمور السطحية، دون اعطاء المجتمع الاسترالي ما يستحقه من حلول اعمال ناجحة، تصل بنا الى الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي اللازمين لتقدم مجتمعنا، واستمرارالحياة الامنة فيه. وفي العودة الى سؤالكم عن وصول السيد تيرنبول الى رئاسة الوزارة بعد "انقلابه ومجموعة من القياديين البارزين في حزب الاحرار" على زميلهم السيد ابوت، والتداعيات التي حصلت سواء على الصعيد الداخلي للحزب او على الصعيد الوطنيفانني اعتقد أن الذي حصل هو نتاج لاسباب عدة سوف اعرض اهمها دون اهمال العوامل الاخرى.
العامل الأول:
كما ذكرنا سابقاً هو غياب الديمقراطية التمثيلية في حزب الاحرار، واعتماد سياسة "المصالح الشخصية والمنافع الفردية"عند بعض المسؤولين في هذا الحزب، والدليل على أن حزب الاحراروهو جزء من الائتلاف الحاكم، لم يرع الاصول المرعية ومشاركة حليفه في تقرير مستقبل الدولة.
العامل الثاني:
هو في غياب بعض القواعد الاساسية للنهوض في السياسة والاقتصاد، والتركيز فقط على اللعبة الانتخابية العددية، فكل حزب يتحرك من خلال مصالحه الانتخابية الضيقة دون مصلحة المجتمع ككل.
العامل الثالث:
وهو في غياب الرؤية الواحدة والهادفة ضمن الحزب الواحد عند تسلم المسؤليات، وتحويل الاختلافات في الرأي الى خلافات في المواقف.. فالاختلاف في الرؤى هو حالة صحية ومطلوبة في العمل السياسي اوالحزبي، اما الاختلاف في الرؤى ضمن الجسم أو الهيئة الواحدة، فهو عامل سلبي ينعكس سلباً على مجتمعنا كما على هذا الجسم والمسؤولين فيه.
العامل الرابع:
وهو أن هناك سياسة ملتبسة ووعودمتقلبة ومتغيرة عند معظم الحكومات المتعاقبة مؤخراً في سدة المسؤولية، فبين الوعود الانتخابية وتنفيذ هذه الوعود عند استلام السلطة تتسم بعد المصداقثة في معظم الاحيان، ولا تساعد على ايصال الفكرة أو الهدف منها، مما يؤدي الى تأزيم الوضع والتخبط في المواقف وهناك امثلة كثيرة لا مجال لتعدادها هنا.
العامل الخامس:
وهو يكمن في غياب "القائد المميز" الذي بفعل المامه بأمور حزبه، وانفتاحه على باقي الافكار، والتحلي بالشخصية الواعدة، يمكن ان يقود البلاد نحو شطى الامان السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
أن غياب هذا القائد منذ مدة عن القيادة السياسية الاسترالية، والمزج في العمل القيادي بين مفهوم الثقة بالنفس ومفهوم الغطرسة السياسية التي تحلى بها معظم هؤلاؤ الذين تعاقبوا على سدة المسؤولية أدت الى ما نحن عيه اليوم من فشل في ادارة البلد والركود الاقتصادي الحاصل.
العامل السادس:
وهو من أهم العوامل التي لعبت دورها في افشال مهمة السيد أبوت، وهو دور الاعلام في افشال أو إنجاح مهمة المسؤول بغض النظر عن صحة المواقف او عدمها.
فالاعلام سلاح خطير في حال انخراطه في النزاعات، وابتعاده عن دوره الاساسي في الرقابة والمحاسبة والمساءلة.
وها هو الاعلام اليوم يلعب دورا مغايراً مع السيد تيرنبول على الرغم من ان الاخير وحتى يومنا هذا لم يتقدم خطوة واحدة عن سلفه السيد ابوت في تحريك الاقتصاد، أو في الاستقرار السياسي، فلا نزال كما يقال "راوح مكانك" والسيد تيرنبول ومن ورائه الاعلام يسوقون للوعود الكثيرة والانجازات قليلة، لا بل هناك شعور بأن مرحلة الركود الاقتصادي الى تفاقم بغياب الحلول الناجحة التي إدعى السيد تيرنبول أنه يملك الحل!
اما العامل الاخر وليس الاخير:
أن استراليا ومن ضمن التقليد السياسي والاجتماعي غير المعلن امام الاستراليين، فأن هناك حالة رفضية لوصول اي زعيم كاثوليكي المعتقد الى سدة المسؤولية ألاولى، فلذلك تسعى هذه السياسة الى افشال اي زعيم كاثوليكي تحت ذريعة فشله في ادارة شؤون الدولة والمجتمع، والتاريخ شاهد على حالات عدة في استراليا وفي اماكن اخرى من العالم، حتى ان السيناتور الاحراري جورج براندس المح في تصريح له، ان السيد ابوت كان ضحية " التعصب المعيب جداً" بسبب معتقداته الكاثوليكية!يبقى ان نقول بأن ظاهرة الركود الاقتصادي واللاستقرار السياسي، يؤديان بأستراليا الى المزيد من الازمات. لذلك، ان التمسك باللعبة الديمقراطية والاخلاقية والمصداقية في العمل الحزبي والسياسي، والتنافس الشريف لمصلحة استراليا الوطن والمجتمع ها الطريق الصيحي للخروج من هذه الظاهرة غير الصحية وبقاء استراليا رمزاً للمجتم المتنوع، المتسامح والمتناغم.