تحتفل سوزان بحبها وحبيبها ولم تبخل ولم تتوانى في أن تجدل قصائدها أبياتاً تزرع اسم حبيبها في صفحات ديوانها (وزرعت إسمك ص16) فهي وأن اختلفت عناوين رسائلها أو قصائدها والتي يظهر ترابطها في سياق المعاني التي ترشح بحبر المحبة الذي يغرف من محبرة القلب التي لا يجف مدادها لتكتب أبجدية من ذهب (ص69) ضياء القمر مدادها (ص21). تأثير النص الديني يظهر في أماكن عديدة من الديوان جبهةٍ ترنو السجود والقطعانُ تجري لمستقرٍ لها (ص 28) وفي (ص 34) تقول: وأراودُ الحكايات عن أفكارها، وكذلك يبرز في قصائدي الآتية ص62 النفسُ أمارةٌ بك، وفي قصيدة صوت مخنوق (ص64) تقول جنة قطوفها دانية. لا تخفي الشاعرة تصميمها لأنها لا تعرف اليأس وهي تعيش الحياة حيث تقول: أن لا يأس مع الحياة (38) ونراها في قصيدة لن أبوح به (ص39) تستعمل التورية اللغوية بأصابع من عنفوان لتعاهد زمان حبيبها أن يبقى سرّ حضارتها. هذا الحب المكثف إن صح التعبير في عمقه وصمته وتضحايته وجنونه الذي لا قرار له (ص45) وفي قلبي يسكنُ حبا لا قرار َله. فهي تريد أن تُسمع حبيبها لإنها لا تريده أن يقطع الرجاء: اسمعها منّي ولا تقطع بعدها الرجاء (ص41) لأن قصائدها اعتادت التحليق بالحب لحد الشعور بالخرس إن لم تكتبه (ص 42) وبالرغم من كل ذلك فهي تتدثر برداء من سلام (ص45) ولتؤكد على عمق هذا الحب كتبت قصيدة صمت وعتب ولوم (ص53).
وكما يقول المثل العامي "على قدر المحبة العتب كبير" فها هي مرة أخرى تبوح بما صنعه هذا الحب وتسرد في قصيدة مُذْ حبيبي (ص57) حتى تشتاق لنفسها أكثر وكأنها تريد أن تقول إن نفسها هجرتها إليه، وهذا ما يتجلى في قراءتها رسائله المدهشة التي تعيد قرآتها كما تقول (ص 61) ولكن الكرة غداً صباحاً. كل ما تقدّم لم يدع الهمّ الوطنيّ يغيب عن الديوان، فها هي تُبرز عمق الجرح الذي يعانيه الوطن في قصيدة النجمات تسكن قافيتي (ص50) حيث يجتاحها موجً غامض ومع ذلك نراها بعزيمة الحب تستنهض مارد الأرض (يا مارد الأرضِ انهضْ..) وتنتظر النصر. وللبعد الإنساني حصته من غيرة سوزان عون ففي قصيدة الصوت المخنوق تعرج على فرح الاطفال الذين تريد لعيونهم أماناً وعلى وسادة الفرح اطمئناناً (ص64). ولم تنسى الشاعرة ما للأم من ديون على أبنائها، الأم التي تقول عنها في قصيدة كأقواسٍ ملونة مطيرة (ص100) فكنتِ لي حصناً بحجم الوجود. هذا الكم من الحب المنتشر على صفحات ديوان سوزان عون جدائل على أكتاف الحب إن دل على شيئ فإنه يدل على أن الإنسان العاشق والمحب الصادق في حبه وأحاسيسه لن يتوانى عن إطلاق حبه ليصل الى المدى وتتردد أصداؤه على جنبات قلوب العشاق، على وجوهم في مدائن الحب المعلّقة على أهداب الكلمات المنثورة على صفحات الديوان، فالشاعرة لم تتوارى خلف مشاعرها، بل أطلقتها من سجونها بكل تَرَوَّ وسؤدد وحب وتحايا من الفؤاد سكبتها الشاعرة همسات أنسانية في عالم السرعة والصخب الهارب على قارعة الانسانية. باختصار، إن سوزان عون قالت كلمتها، قالت حبها، قالت أنسانيتها، قالت أنوثتها جهراً، وعلقت قلادة على صدر الشعر الانثوي المعاصر.