مرت عطلة ألأعياد والصيف دون هزات سياسية تذكر، وكأن الحزبين الكبيرين ألأحرار والعمال كانا على توافق بأن لا يعكّروا صفو العطلة الصيفية للمواطنين خشية من رد فعل سلبي تجاه الطبقة السياسية التي تعاني في علاقاتها مع المواطنين. لكن ما أن عاد البرلمان في دورته العادية وبداية العام السياسي للعام 2018 حتى بدأت ألأزمات السياسية منها القديم والجديد تتوإلى وتتإلى، مع أن الحكومة كانت تُمني النفس بأن وضعها السياسي أفضل، بعد أن إنتهى العام الماضي على نصرين في الإنتخابات الفرعية التي جرت في مقعدي نيوأنكلند وبينالونغ واللذين شغرا على خلفية أزمة إزدواجية الجنسية التي شغلت البلاد نهاية العام الماضي. في نيوأنكلند عاد نائب رئيس الوزراء ورئيس الحزب الوطني بارنبي جويس بأكثرية مريحة، وكان جويس قد إستقال لِأنه يحمل الجنسية النيوزيلندية إلى جانب الجنسية الأسترالية، وفي بينالونغ عاد النائب جان الكسندر إلى مقعده مع بعض الخسارة بسبب التأرجح الذي حصل ضده لصالح حزب العمال، وكان الكسندر يحمل الجنسية البريطانية، مع ذلك مررت الحكومة مسألة تشريع زواج المثليين بعد أن صوّت أكثرية الأستراليين لصالح تعديل قانون الزواج بعد الإستفتاء غير الملزم الذي جرى عبر البريد.
بدأت الحكومة العام السياسي الجديد بتحسّن طفيف في شعبيتها حسب إستطلاعات الرأي رغم أن حزب العمال ما زال يتقدم عليها 52% و48% لصالح الحكومة. وقد حددت الحكومة أولوياتها السياسية للعام 2018 بالعمل على تخفيض الضريبة للشركات الكبرى والتي تدخل أكثر من 50 مليون دولار سنوياً من 30% إلى 25% خلال العشر سنوات القادمة، معتبرة إن هذه التخفيضات تشجع الشركات على المزيد من الاستثمار وزيادة الوظائف والأجور التي تراجعت خلال السنوات الماضية. ويجب الاشارة إلى أن بعض الإقتصاديين يشكّكون بهذه النظرية.
إستغل حزب العمال العام الماضي قضية إزدواجية الجنسية لمواجهة الحكومة التي إفتتحت عامها السياسي بهجوم سياسي مركز على حزب العمال على خلفية مسالة إزدواجية الجنسية، وكأنها تريد أن ترد الصاع للعمال وهددت بإحالة بعض النواب الذين تحوم حولهم الشكوك لأنهم لم يقدموا الأوراق الثبوتية اللازمة التي تثبت تخليهم عن جنسياتهم الأخرى بموجب الإتفاق الذي وقع العام الماضي بين الحكومة والمعارضة، وكان أول ضحايا هذه الهجمة النائب العمالي ديفيد فيني الذي يشغل مقعد باتمان في ولاية فكتوريا والذي إستقال من منصبه، وما تزال النائبة العمالية سوزان لامب التي تشغل مقعد لونغمان في ولاية كوينزلند تواجه نفس التحدي وقد تحال قضيتها إلى المحكمة العليا للنظر بوضعها.
كان هذا قبل ان تفجّر إذاعة أي بي سي الرسمية فضيحة الوثائق ذات الغاية في السرية، والتي وجدت داخل إحدى الخزائن القديمة التي بيعت لأحد محلات الأثاث المستعمل قبل أن تحصل عليها الأي بي سي وتنشر بعضها والتي لا تمس الأمن القومي للبلاد. لكن الأزمة الكبيرة كانت الفضيحة التي فجّرتها صحيفة ذي ديلي تلغراف والتي عُرفت بفضيحة بارنبي جويس، حيث نشرت الصحيفة ألأسبوع الماضي وعلى صفحتها ألأولى صورة لفيكي كامبيان الموظفة السابقة في مكتب جويس والتي أقام معها جويس علاقات جنسية وتنتظر مولودها في نيسان القادم.
والجدير ذكره أن جويس يشغل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء ووزير البنى التحتية الفيدرالي.
طغت هذه الفضيحة على ما عداها من القضايا السياسية ولم يبقى أحداً إلا وأدلى بدلوه في الموضوع الذي حصد تغطية إعلامية مكثفة في ألأعلام المكتوب والمرئي والمسموع وشبكات التواصل ألإجتماعي وتراجعت إلى خلف المشهد السياسي قضايا مالية وإقتصادية وقضايا السكان ألأصليين التي كانت يجب أن تكون محط إهتمام السياسيين ولإعلام في البلاد بعد أن أصدرت اللجنة المكلفة من الحكومة تقريرها حول ردم الهوة بين السكان الأصليين وباقي أبناء البلاد.
رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول وعلى أرضية أخلاقية سارع إلى تفادي ربط الفضيحة بالحكومة ورئيسها، وإن كانت له أهدافه الخاصة اتخذ إجراء أعلنه على الهواء مباشرة في مؤتمر صحافي حيث أعطى نائبه جويس إجازة، وأوكل مهمة رئاسة الوزراء بالنيابة إلى ماثيوس كورمن وزير المالية ورئيس حزب ألأحرار في مجلس الشيوخ أثناء زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة بسبب وجود نائبته ألأخرى وزيرة الخارجية جوليا بيشوب خارج البلاد.
وكذلك أعلن تيرنبول عن تغيير قواعد السلوك الوزاري المتبعة في مجلس الوزراء بمنع الوزراء إقامة علاقات جنسية بينهم وبين مواظفيهم، وأعتبر تيرنبول تصرفات جويس خطأً فادحاً وغير مقبولة.
لم تلقَ إجراءات رئيس الوزراء إستحساناً من قبل نائبه الموصوف بعناده وثباته ووصف إجراءات تيرنبول بأنها "حماقة" مما أدى إلى إستعار الأزمة بين الرجلين حيث أصر كل منهما على موقفه، وبدأت ألإصطفافات السياسية المؤيدة والمعارضة، فإعتبرت بعض مصادر الحزب الوطني أن تصرفات تيرنبول ومؤتمره الصحفي الذي لم يطلع عليه نائبه عزّزت دعم الحزب الوطني لجويس، وإعتبرت تلك المصادر أن رئيس الوزراء لا يعرف مطلقاً ذهنية الحزب الوطني، واتهمت تيرنبول بالقاء الزيت على النار الإعلامية التي كانت قد خمدت، وإعتبر المصدر نفسه أن جويس أخطأ ولكن مبالغة تيرنبول في ردة فعله كانت كمن يعالج الخطأ بخطأ آخر.
رئيس الوزراء الأحراري السابق طوني أبوت الغريم السياسي لتيرنبول الذي أطاحه من رئاسة الوزراء أيلول عام 2015 الذي ما زال يوجّه سهامه السياسية إلى سياسية تيرنبول والتشويش عليها، إنتقد الطريقة التي تعامل بها تيرنبول مع جويس قائلاً: من المتعارف عليه أن الاحزب لا تنصح بعضها بشكل علنيّ، وبما خصّ تغيير قواعد السلوك الوزاري والعلاقات الجنسية بين الوزراء وموظفيهم رأى أبوت أن القوانين المعمول بها حالياً كانت كافية.
(موقع أم أن أس ألاخباري تاريخ 17/2/2018). زعيم حزب ألأحرار السابق جان هيوسن إعـتبر في مقالة نشرها في صحيفة ذي صن هيرالد الاحد 18/2/2018 ص 2 أن بارنبي جويس لا يستحق منصب نائب رئيس الوزراء.
وزير الخزينة سكوت موريسن رأى أن رئيس الوزراء ونائبه سياسيين محترفين وإن بإمكانهما أن يعملا سوياً لتجاوز المأزق، ولاحقاً أعلن موريس عن تأيييده للإجرآت التي اتخذها رئيس الوزراء.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال المتشعّب، لماذا تصرف رئيس الوزراء بهذه الطريقة؟ وهل أخذ تيرنبول بعين الاعتبار التداعيات السياسية التي قد تنتج عن هكذا إجراء؟ وهل تكون هذه بداية النهاية السياسية لكل من تيرنبول وجويس وسقوط الحكومة التي تحتفظ بأكثرية هزيلة في مجلس النواب (مقعد واحد)؟
نعم، لقد ُضربت العلاقة بين الحزبين والخلل واضح بسبب تصرف جويس وردة فعل تيرنبول.
المعارضة الفيدرالية التي وبدون شكّ تنظر بعين الرّضى إلى حرب الزعامات والتراشق الإعلامي بين حزب الأحرار وشريكه الصغير الحزب الوطني إتهمت رئيس الوزراء بالضعف، وقال زعيمها بيل شورتن:
أن الحكومة تواجه أزمة كبيرة ويجب على رئيس الوزراء طرد نائبه وأضاف أولاً أعلن تيرنبول الحرب على جويس، ثم عاد جويس وأعلن الحرب على تيرنبول، واعتبر أن من حق الأستراليين أن يغضبوا ويصابوا بالإحباط عندما يكون قياديّوهم لا يركّزون إلا على قضاياهم أكثر من أي شيء آخر(صحيفة سدني مورننغ هيرالد 17/2/2018ص 5).
وانتقدت المعارضة قراررئيس الوزراء بمنع العلاقات الجنسية بين الوزراء وموظفيهم، واقترحت من باب السخرية على الحكومة وضع كاميرات في غرف نوم الناس، واعتبرت نائبة زعيم المعارضة تانيا بليبرسك أن التغييرات غير ضرورية.
وكانت صحيفة (س م ه) قد ذكرت أن رئيس الوزراء لا يستطيع طرد نائبه لأن ترتيبات تقاسم السلطة بين الحليفين (الأحرار والوطني) تقضي بذلك حيث بموجب هذه الاتفاقية نواب الحزبين ينتخبون زعمائهم كل على حدى.
لكن وزيرة الخارجية جوليا بيشوب قالت لإذاعة أي بي سي أن الحكومة لا دخل لها ولن تتدخل في الحياة الشخصية للناس. الجدير ذكره أن حزب العمال لم يركّز على مسألة العلاقة بين جويس والمواظفة شريكته الحالية فيكي كامبيان، بل كان تركيزه على القضايا المالية المتعلقة بسوء إستخدام المال العام والصلاحيات من قبل بارنبي جويس الذي قَبِلَ الحصول على سكن بدون بدل إيجار من صديقه غريق ماغواير وقضية تأمين وظيفة لشريكته فيكي كامبيان في مكتب أحد وزراء الحزب الوطني بمعاش سنوي يقارب 190 ألف دولار، واعتبر العمال أن جويس ضلل البرلمان مؤكدين أن قضية طلاق وزاج جويس مسألة محض شخصية. رئيس الوزراء العمالي الأسبق كيفن راد إنتقد قرارتيرنبول بخصوص العلاقات الجنسية مقترحاً على رئيس الوزراء التعاقد مع الشرطة الدينية السعودية (هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر(الكاتب) (س م ه قسم ما وراء الاخبارص 34 17/2/2018). أخيراً، هل نحن أمام أزمة حكومة أم أزمة حكم؟ وهل ستكون هذه الأزمة بداية النهاية السياسية لكل من رئيس الوزراء ونائبه؟
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر، ما هو موقف الحاكم العام السير بيتر كوزكروف في حال تفاقمت الأزمة وعجزت الحكومة عن القيام بأعمالها، فهل سيبادر إلى طرد رئيس الوزراء والدعوة إلى إنتخابات مبكرة، أم سيبادر نواب الحزب الوطني إلى انتخاب زعيم جديد حيث جويس يكون ثاني زعيم للحزب يجبر على ترك منصبه في زعامة الحزب منذ 90 عاماً وهذا ما يلوح في الأفق؟ رئيس الوزراء العمالي الأسبق كيفن راد والذي خاض حرباً حزبية داخلية ضارية مع نائبته وغريمته السياسية جوليا غيلارد بين عامي 2010 و2013 إعتبر أن ما يحصل حالياً على الساحة السياسية الأسترالية لم يكن ليتصوره، وأن السياسات والإعلام أصبحت أكثر سوءاً (س م ه 17/2/2018 ص 34 قسم ما وراء الأخبار). هذا ما كانت قد حذّرت منه الصحيفة نفسها في افتتاحيتها في نفس العدد ص 30 معتبرة أن أستراليا في خطر بسبب اتّباع نهج وأسلوب الإعلام السيء والمنحدر في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الاميريكية .
إذن، ونحن أمام تحديات وطنية مستقبلية، فهل سنكون على مستوى هذه التحديات؟! هذا ما يتوقف على إداء الإعلام والطبقة السياسية التي تواجه نقصاً في مصداقيتها وتراجع ثقة الناخبين بها بسبب إدائها خلال العقد الماضي وحرب الزعامات والتخلّي عن السياسات التي تهمّ المواطنين كبناء البنى التحتية وقضايا الإسكان والطاقة والإحتباس الحراري والتعليم والصحة والنقل.
وإذا كانت ألامور بخواتيمها، فيجب أن ننتظر ماذا سيحصل بعد الإتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء ونائيه يوم السبت 17/2/2018 وتعهدا العمل معاً مجدداً، وكم سيصمد هذا الاتفاق الذي تحدثت عنه صحيفة ذي صن هيرالد في عددها 18/2/2018 على الصفحة الثانية.