بعد اكثر من خمس سنوات من المحادثات، تم الأسبوع الماضي التوقيع على اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ" بين 12 دولة، تضم الى استراليا كل من الولايات المتحدة الاميركية، كندا، المكسيك، بيرو، التشيلي، فيتنام، بروناي، سنغافورة، ماليزيا، نيوزيلندا واليابان.
وقد شهدت الأيام الأخيرة قبل توقيع الإتفاقية محادثات مارتونية على مدى خمسة ايام وقد عقد وزير التجارة الأسترالي اندرو روب عشرة اجتماعات خلال الثلاثة أيام التي سبقت التوقيع مع المفاوض الامريكي مايكل فرومان، وركزت على قضية الادوية التي كانت الولايات المتحدة تطالب بفرض مدة 12 سنة كحد ادنى يسمح بعدها بتصنيع الادوية بسبب براءة الاختراع، بينما اسر الجانب الاسترالي على تخفيض المدة لخمس سنوات وفي اسوأ الاحوال 8 سنوات، وقد علّق وزير التجارة اندرو روب على قبول الولايات المتحدة بذلك الشرط بقوله:" انه كان على استعداد لعدم التوقيع على الاتفاقية وانهيار المحادثات" (صحيفة سدني مورنيغ هيرالد 07/10/2015 ص7)، وحسب الوزير فإن عدم موافقة الولايات المتحدة على ذلك كان سؤدي الى تضخم ميزانية الصحة الاسترالية بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً.
لاقت الإتفاقية والتي تشكل اقتصاديات الدول الموقعة عليها 40% من الإقتصاد العالمي، ردود فعل عديدة عليها في استراليا منها الأيجابية والسلبية، واهمها موقف رئيس الوزراء الفيدرالي مالكوم تيرنبول الذي وصفها بحجر اساس ضخم للإقتصاد والتي ستؤمن الوظائف والنمو الإقتصادي، وفي نفس الوقت سوف تحد من ارتفاع اسعار الادوية لدافعي الضرائب، واعتبرها وزير التجارة الفيدرالي اندرو روب بالإنجاز الأكبر وانها من اكبر الاتفاقيات التجارية لعقود خلت، وسوف تفتح اسواق كثيرة لأستراليا سواء كان للقطاع الزراعي او قطاع الخدمات او الصناعة واعتبرها الأساس للمستقبل المزدهر في استراليا (س م ه 07/10/2015 ص 6) وحسب الصحيفة نفسها تخوّف اتحاد نقابات العمال من ان تقوض الإتفاقية حقوق العمال، وقالت رئيسة اتحاد نقابات العمال كد كيرني ان ما تسرّب من بنود الإتفاقية يظهر ان بعض الدول حاول رفض حماية حقوق العمال، وأضافت ان الإتفاقية وقعت في السر وبدون نقاش حولها وهذا ما يجعل المرء يتعجب اذا كانت الاتفاقية صفقة جيدة لماذا لم تعلن تفاصيلها. وتخوّفت منظمة اطباء بلا حدود من عدم الإعلان عن تفاصيل الإتفاقية لما قد يكون له من تداعيات لعدم امكانية الحصول على الأدوية في الدول النامية. يشار الى انه سيعلن عن تفاصيل الإتفاقية خلال الأسابيع القادمة وهناك تخوّف لدى البعض من الآلية القانونية التي ستعتمد لحل الخلافات بين الدول الموقعة والشركات الكبرى لأنها قد تضع العوائق امام تدخل الدول والحكومات المنتخبة لحماية المصالح التجارية المحلية، اذا رأت هذه الشركات ان مصالحها عرضة للخطر، وقد استطاعت استراليا وضع شروط امام شركات التبغ لمنع محاكمة الدول التي تشدد القوانين المضادة للتدخين.
وقد اشاد رئيس اتحاد المزارعين الوطني الاسترالي برنت فنلي بمواقف وزير التجارة ووقوفه ضد التوجهات الاميركية حيث رأى ان الولايات المتحدة الاميركية تريد ان توقع الإتفاقية، لكنها تريد من الجميع تبنّي موقفها (س م ه 10/11 تشرين الأول 2015 قسم ما وراء الأخبار ص 28). وقد كان لبعض الاكادميين والصحافيين آراء حول الإتفاقية، فقد رأت الخبيرة الإقتصادية من جامعة سدني الدكتورة باتريشيا رونالد، والتي امضت 20 عاماً في دراسة الإتفاقيات التجارية الدولية ان الإتفاقيات في معظم الأحيان فشلت في تحقيق النمو الإقتصادي المتوقع اوزيادة الوظائف التي كان يعول عليها(س م ه 10 تشرين الأول 2015 ص 28)، ورأت ان وزير التجارة الفيدرالي ركّز على قطاع الزراعة على حساب قطاعات اخرى، مثل الصناعة التي ما زال يعمل بها حوالي مليون شخص في استراليا. واعتبر روس كيتنز، محرر الشؤون الإقتصادية في صحيفة ذي سدني مورنيغ هيرالد ان الإتفاقية ليست صفقة كبيرة، وفي مقالته بتاريخ 10-11/تشرين الأول 2015 قسم الإقتصاد ص 6) عرض لما قيل عن عن الإتفاقية وموقف الحكومة المضخم والتوقعات المرتقبة من الاتفاقية والسرية التي رافقت المحادثات والقيود التي تقيد الحكومة، ووصل الى نفس النتيجة التي وصلت لها باتريشيا رونالد، معتبراً انه اذا تحسن وضع القطاع الزراعي فسيكون على حساب قطاعات اخرى مثل الصناعة والسياحة والخدمات خصوصاً اذا ارتفع سعر الدولار بعد زيادة الطلب على الإنتاج الزراعي. وكان الصحفي هيث اشتون من جريدة سدني مورنيغ هيرالد، قد تساءل بمقالته في نفس العدد، هل باع اندرو روب كل شيء الا القطاع الزراعي؟
وقد ختم تلك المقالة بالقول قد لا نعرف ما اورثنا الوزير روب الا لأعوام قادمة حيث يكون قد ترك العمل السياسي.
وأخيراً، وبرغم الجدال الدائر حول الإتفاقية تبقى هناك المسألة التشريعية حيث ستمثل الإتفاقية امام البرلمان بمجلسيه (النواب والشيوخ) للموافقة عليها وعندها فقط سنعرف التفاصيل التي قد يكمن فيها الشيطان، وعليه ماذا سيكون موقف المعارضة الفيدرالية والنواب المستقلين، حتى ذلك الحين ما علينا الا الانتظار لنعرف من هم الرابحون ومن هم الخاسرون وما هي تداعيات السياسية التي سترافق تلك الإتفاقية.
ونختم، بالاشارة الى ان الاتفاقية قد استثنت ثلاث دول هي اندونيسيا والهند والصين، مما يدعو الى التساؤل عن الغاية من هذا الاستثنا، وهل من اجندة سياسية سرية تندرج ضمن خطة الولايات المتحدة لأحتواء الصين والتحكم بالحركة الاقتصادية في جنوب شرق اسيا التي ستشكل الرافعة للاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين؟!