مرت الحياة السياسية الأسترالية منذ العام 2007 وحتى تاريخه بحالة من التخبط والإرتباك والمطبات سواء على المستوى الحزبي او على المستوى الوطني.
الإنقلابات على القيادات السياسية وتغيير الرؤساء والتي كان لها أثر سلبي على الإداء السياسي والإقتصادي، رغم ان الإقتصاد الاسترالي نجا من الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق العالمية بين عامي 2008-2009، لكن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد استمرت حيث تم توالى على المنصب خمسة رؤساء للوزراء من العام 2010 حتى اليوم، وخلال تلك الفترة انشغلت الحكومات المتعاقبة بالإنقلاب على سياسيات الحكومات التي سبقتها وإلغاء قوانين وإقرار اخرى لتعود تلك القوانين لتواجه نفس المصير سواء كان التغيير داخل الحزب الواحد او من الحزب المعارض الذي وصل للسلطة عبر الإنتخابات، مما لا شك فيه عدم امكانية استمرار هذا الوضع، وللتخلص من هذه الحالة لا بد من خطوة بالإتجاه الصحيح، وهنا يتبادر الى الذهن السؤال الأساسي والمركزي، هل يكون الإنقلاب على زعامة طوني ابوت البداية لتلك الخطوة؟!
رئيس الوزراء الجديد مالكوم تيرنبول اطلق على حكومته تسمية حكومة القرن الحادي والعشرين، والمعلوم ان ابوت نفسه كان قد قال عند المحاولة الأولى للإطاحة به في شباط الماضي ان الحكومة الجيدة ستبدأ اليوم.
لا نريد ان نحكم على الكتاب من عنوانه، رغم انه عنوان جذّاب وبرّاق وواعد، خصوصاً انه وفي اقل من اسبوعين اعلنت حكومة تيرنبول سياسات جديدة اهمها رصد مبلغ 100 مليون دولار لمحاربة ظاهرة العنف المنزلي رغم ان ابوت كان ينوي الاعلان عنها قبل اطاحته من منصبه، وكان الملفت للنظر ان تيرنبول رفع نسبة تمثيل النساء في حكومته بنسبة 150% والملفت ايضاً الخطاب العام الجديد للوزراء خصوصاً وزير الخزينة سكوت موريسن الذي حدد الخطوط العريضة لسياسته التي ستعتمد على العمل، التوفير والإستثمار، وكانت المقاربة الإنسانية لقضايا اللاجئين الموجودين في جزيرة ناورو وبابونيوغيني لتحسين اوضاعهم، نقطة تحسب لرئيس الوزراء الجديد رغم رفضه مسألة قدومهم الى استراليا وتشدده في هذا الامر. اداء الحكومة هذا كان له مردود ايجابي لدى الرأي العام، وللمرة الأولى تتقدم الحكومة على المعارضة في استطلاعات الرأي وتكون بوضع انتخابي أفضل بعد احتساب الاصوات التفضيلية، لكن شهر العسل قد ينتهي بسرعة اذا تراجعت اندفاعة الحكومة او تباطأت في معالجة قضايا مهمة لإستمرار ثقة الناخبين والمستهلكين والذين هم على استعداد لإمداد الحكومة بإكسير الحياة السياسية اذا ما تمت مصارحتهم بحجم المشاكل في القطاعات والمؤسسات التي تحتاج الى اصلاح مثل النظام الضريبي بما فيه ضريبة السلع والخدمات ( جي اس تي)، معاش الإدخار التقاعدي، الارباح على رأس المال، الميزانية، النظام الصحي، التعليم واعادة النظر بالنظام الفيدرالي والعلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمقاطعات. وهناك قضايا اخرى مثل قضايا الإسكان وأسعار المنازل، قوانين اماكن العمل ومسألة التغييرات المناخية وزواج المثليين والمسألتين الأخيرتين قد تواجهان صعوبات لأي مقاربة جديدة لهما بسبب معارضة جناح اليمين في الحزب لأية تغييرات على أقله قبل الإنتخابات الفيدرالية القادمة، علماً ان اليمين اشترط على تيرنبول لدعمه عدم تغيير السياسة المتعلقة بالتغييرات المناخية.
وبما ان الحكومة هي حكومة القرن الحادي والعشرين هناك قضايا مستقبلية قد لا تكون ملحة لكنها لا تزال عالقة مثل تغيير العلم وتحويل استراليا الى جمهورية، خصوصاً وان رئيس الوزراء مالكوم تينبول هو من اقوى المؤيدين لتحويل استراليا الى جمهورية وشغل منصب رئيس حركة تحويل استراليا لجمهورية سابقاً وكانت استراليا اجرت استفتاء حول الموضوع في تشرين ثاني/نوفمبر عام 1999 وقرر الناخبون الابقاء على النظام الحالي وكان ذلك في عهد رئيس الوزراء الأسبق جون هاورد.
ماذا بعد التغييرات على المستوى الحكومي؟ ماذا عن حزب العمال؟
وما هي السياسة التي سيتبعها؟ وهل سيغير من استراتيجيته؟ خصوصاً ان رئيس الوزراء الجديد يتكلم لغة المستقبل عكس طوني ابوت الذي كان يسهل استهدافه سياسياً. وهل سيلجأ الحزب الى تغيير زعيمه اذا استمرت استطلاعات الرأي تفضّل رئيس الوزراء عليه ولم يستطع بيل شورتن تحسين ادائه واقناع الناخبين بالعودة لتأييد الحزب خصوصاً الذين تخلوا عن العمال في الإنتخابات الأخيرة؟
وهناك سؤال آخر وهو هل سيقتنع طوني ابوت ومناصريه داخل حزب الاحرار بما حصل ام سنكون امام اعادة سناريو راد-غيلارد ولكن بنكهة احرارية بين ابوت وتيرنبول؟
خصوصا ان ابوت تراجع الى المقاعد الخلفية ولم يأخذ قراره النهائي حول مستقبله السياسي اقله قبل نهاية العام.
أخيراً، هناك بداية مرحلة سياسية جديدة وما علينا الا الإنتظار لبعض الوقت لنرى اذا كنا سنصل الى نوعاً من الاستقرار السياسي الذي افتقدته استراليا خلال العقد الأخير، ولهذا الاستقرار شروط اهمها المصارحة والتواصل مع الناخبين التي اثمرت مع بوب هوك وبول كيتينغ خلال ثمانينات القرن الماضي ومع جون هاورد منذ اواسط التسعينات حتى عام 2007 وهذا ما استطاع ان يستثمره مايك بيرد في نيو سوث ويلز.
ونختم، ان ندخل القرن الحادي والعشرين بعد انقضاء 15 عام من القرن افضل من التسكع على اطلال الماضي،وكما يقال ان تأتي الامور متأخرة خيراً من ان لا تأتي ابداً. علماً ان الامور بخواتمها!