تحولت الدعوة الى الاصلاحات الى قوانة مشروخة بعد ان ضاع علينا تعيين من هو المصلح والفاسد، او التفريق بين قرارات اصلاحية جوهرية وقرارات ادارية بعضها ذا رائحة فئوية او تنكيلية أو شكلية، وشاء اختلاط الصح بالخطأ، واللاعب بالملعب، والحكم بالجمهور، ان يجعل من طلب الاصلاح بمنزلة بطر او تسلية للوقت او إملاء فراغ لكتاب واصحاب رأي، او في افشل الاحوال تذكير ‘إن نفعت الذكرى» وانتهى الامر الى ان غلاة الفاسدين صاروا اسبق من غيرهم في ركوب هذه الرجز، وقديماً قيل ان بحر الرجز حمار الشعراء لسهولة تفعيلته.
فلا قيمة لأية اصلاحات، وحتى التفكير بضروراتها، إنْ لم تتجه الى وجوب تأمين العدالة وتعقب المخالفات والفساد وضمان التوزيع العادل للثروة، وفي التاريخ، ليس ثمة اصلاحات استقبلها الجميع بالتصفيق، او قبلها الفاسدون عن طيب خاطر.
كاتب الفاينانشيال تايمز سيمون كير، في متابعاته لقضايا الاصلاح في دول الشرق الاوسط لاحظ ان اكثر الاعتراضات التي يواجهها الاصلاح شأننا تتمثل في تلك الجيوب التي تمسك بمفاتيح مهمة بالدولة، واحسب ان هذه القاعدة، وإن كان المحلل يتابعها في حالة السعودية، تمس الواقع العراقي الراهن، إذ تواجه ‘حركة اصلاح التي اطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي خصومة ضارية من جيوب في الدولة وفي الكتلة السياسية النافذة.
/ومقاومة الاصلاحات تتخذ اشكالا غاية في التعقيد والمماطلة والمناورة، وتزداد ضراوة ووضوحاً كلما اتسعت قاعدة المناصرين الحقيقيين للإصلاح عمودياً، واعني كلما دخلت اعمال التأييد والترحيب عملية التعبئة والتنظيم الى مستوى خطورة المشروع: وقف الاهدار والمخالفات والتعدي على المال العام ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الانتقالية.
/ومن زاوية تحليلية، يبدو ان المعركة ما تزال تدور خارج ما هو موضوعي وعقلي و’شرعي“لخيار الاصلاح، وذلك في ميدان الطبقة السياسية النافذة، فكل فريق ينظر الى اجراءات الاصلاح وتغيير الادارات التي تدير عملية بناء الدولة من زاوية مصالحه والى أي حد ستمس تلك الاجراءات نفوذه ومكانته ومستقبله السياسي.. وهنا بيت القصيد الذي سكنته الحقيقة، ومن دخل هذا البيت وجد ما يشيب الرأس.
****
كمال الدين الدميري- الحيتان:
“لايهمها الجود ومكارم الاخلاقبل عظم فخد فريسة تُرك ليتعفن ويفسد” انها”دابة عظيمة تمنع المراكب الكبيرة عن السير’.