مرة اخرى بدأنا نقرأ تقارير متسربة عن محافل واجتماع ولقاءات يحل فيها العراق كدولة غير ناجزة الاستقلال والحقوق، ويحتاج الى الوصاية والأرشاد“والحِجر، ولم يعد، مثل بقية الدول الاعضاء في الامم المتحدة، او من جملة الاعضاء في جامعة الدول العربية، متحكماً في مصيره، وانه “دولة مشكلات“كما كتب عنه صحفي كويتي واضاف ”يجب وضعه في غرفة العناية المشددة“او انه كما قالت صحيفة اخوانية مصرية (العدالة) خرج عن الانضباط، فيما كشف روبرت فيسك كاتب الانديبندنت الالكترونية عن اتصالات تجري بين عواصم الخليج لبحث ”تغييرات“في العراق، وشاء خيال كتاب المواقع الالكترونية وتغريدات النت ان يتداولوا الروايات غير المحبوكة كفاية عن سيناريوهات الوضع الجديد المقترح للدولة العراقية من دول واجهزة مخابرات كبرى، وبعضهم يطمئننا الى ان الامر يتعلق بالمرحلة ما بعد داعش
والغريب ان البعض من الزعامات السياسيين هرع الى خارج الحدود لكسب ود هذه العاصمة او تلك، والى عرض اسلاب الدولة وماء وجهها للبيع الى هذا الجار أو ذاك، وقد شاهدنا أحدهم يقف في طابور المتبركين بصاحب النعمة، ونقل عن احدهم قوله بأن العراق انتهى والمهم الشعب الذي يعيش على ارضه..
اقول: في كل الاحوال، ليس مسموحاً لاحد ان يدوس بنعليه على ميثاق الامم المتحدة ويأخذ لنفسه حق الوصاية على بلد مستقل ومضطرب كالعراق، لكن-من جانب آخر- ستصبح حمّية التذكير باستقلال العراق في محلها، وسليمة ومقبولة، لو ان اهل العراق من الساسة والمتنفذين واللاعبين واصحاب القرار والكواليس، هم اكثر حرصاً وخوفاً وعطفاً وغيرة على العراق من الجيران.وساكون واضحا بالقول: ان الدول المجاورة تستضعف العراق ليس في حلقات قوته العسكرية او البشرية او الاقتصادية، وإنما في جوانب اخرى تتعلق بالسياسات والصراعات الداخلية التي لم تُرشّد، وهي نفسها تثير شهية الدول المجاورة في خيرات العراق.. وسأكون اكثر وضوحاً لاقول: نعم، ان العراق ليس ضيعة لأحد، ولا يجوز، في الظروف الطبيعية او في غيرها، ان تتعامل أي دولة، او أية جهة مسؤولة فيها، وكأن العراق معروض للبيع.. لكن (انتباه) سيكون كل هذا صحيحاً لو ان اصحاب الشأن والنفوذ تعاملوا مع العراق بوصفه عراقهم.
لقد عرّضتم العراق، ايها السادة، الى البيع، وتقاتلتم على اسلابه.. ولم يظهر للاخرين الذين شجعتموهم-كل واحد من طرف- على ان يتعاملوا مع العراق كضيعة لهم، ان هذا العراق ضيعة لاهله، حقاً.
***
”ليس من مصير يمكن التغلب عليه بالازدراء“
البير كامو
عبدالمنعم الأعسم