برزت مجددا ظاهرة اختطاف الاشخاص وتصفيتهم (أو التهديد بذلك) لاسباب مختلفة، وينشر القليل منها خلال الاعلان عن العثور على جثث "مجهولة الهوية" او حين يُحرر بعض المختطفين، وايضا من شكاوى جهات سياسية او منظمات أو افراد حيال اختفاء افراد او جماعة، لخلفيات غير معلنة ونفهم ان السلطات تتجاهل الشكاوى فيما يختلط على المراقب ما هو اختطاف متعمد بغرض التنكيل السياسي او الانتقام الشخصي والعشائري او الابتزاز المالي وما هو اجراء أمني محدود يلزم ان لا يتعارض مع الحقوق المدنية، لكن ما نعنيه هو ملف الاخفاء القسري وتصفية المختفي جسديا، الامر الذي تعده القوانين الدولية (أيا تكون خلفيات الحادث) من الجرائم الانسانية التي لا تغتفر.
من جهة وتحمّل الحكومات المسؤولية عنها طالما بقي مرتكبوها طلقاء من جهة ثانية.
الحوادث الاخيرة تنضم الى ملف "الاختفاء القسري" النائم لضحايا لا احد يعرف مصائرهم بالتحديد ولا الجهات المسؤولة عن إخفائهم، حيث قدرت تقارير دولية صحافية قبل سنوات عددهم حوالي 5 الاف منذ العام 2003 حتى الآن وتحت مسؤولية جميع حكومات هذه المرحلة بدون استثناء.
المعروف ان نظام صدام حسين لم يوقع على المعاهدات التي تلزم الكشف عن مصائرالمختفين ممن لا تعرف عائلاتهم مصائرهم الحقيقية (رسميا) وانه رفض التوقيع على اية اتفاقية دولية تلزمه بالامتناع عن ممارسة سياسة الاخفاء القسري للمواطنين كما رفض استقبال مبعوثي المنظمات الانسانية للكشف عن مصائر المختفين، والتوثق من مزاعم الحكومة بنفي تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الانسان المختلفة بهذا الصدد.
في العام 2009 وقعت الحكومة العراقية على الاتفاقية الدولية (لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006) غير انها لم تضع الاتفاقية موضع التنقيذ، بل ان اللجنة التي اعلن عن تشكيلها، آنذاك، لم تر النور ولم يعرف احد عن اعمالها شيئا، وطبعا لم تجر عملية التحقق من شكاوى العائلات التي اختطف ابناؤها ولا في التقارير ذات الصلة، علما بان الحكومات (حسب الاتفاقية) مسؤولة عن مصائر اولئك الذين اختطفوا وغيبوا، وفي حال اهملت هذه المسؤولية او حتى عجزت عن ملاحقة المجرمين تتولى المنظمة الدولية (وفق معاهدات اخرى) مهمة التحقيق والملاحقة، وفي السجل الدولي ثمة الكثير من الحالات التي اجبرت فيها حكومات على الاستقالة عندما تخفق في اقناع الرأي العام بجدية البحث عن المختفين قسريا.
ان ملف الاختفاء القسري لاسباب سياسية في العراق يضم بين دفتيه فظائع اصابت مئات الالاف من العائلات المكلومة، ويمكن، اذا ما فتح التحقيق العادل والاحترافي فيها، ان تشكل زلزالا سياسيا واجتماعيا ذا ابعاد خطيرة..
فسيظهر الكثير من اللاعبين (الان) على خشبة المسرح السياسي من غير اقنعة او مساحيق، في مواجهة العاقبة..
وما أدراك ما العاقبة
**********
تشيخوف:
"لا تقل لي كم هو القمر مضيء، بل أرني وميضًا من الضوء على زجاج محطم"