ارسل “الاخوان المسلمون“ في مصر اشارات الاستعداد لمحاورة الحكم وقيادة الرئيس السيسي، وذلك تحت ضغط الشعور بالهزيمة وكلف الانزلاق الى “الجهاد المسلح“ حيث برزت اصوات في محافل العالم الى إبطال التصنيف الذي وضعه الغرب باعتبار أخوان مصر والاخوان عموماً يمثلون الخيار الاسلامي المعتدل، الامر الذي يُعد متأخراً في رأي الكثير من المراقبين والباحثين.
والحق ان ما حدث في مصر، على يد الجيش والشارع المدني ذا مغزى في التاريخ، فقد كان الاسلام السياسي (الذي يمثله الاخوان هنا) يقدم، حينه، احدث انموذج تطبيقي له من على ماكنة جامحة، ظهر ان زيتها ليس كافياً للمضي اكثر من عام واحد.
هذا التوصيف لايمت بصلة الى البلاغة السياسية، انما الى بلاغة رد الفعل وقوانينه الفيزيائية (قانون نيوتن الثالث) والاجتماعية (التراكم) على حد سواء، حين يكون الفعل قد عبَر هامش المناورة الى حقل المواجهة، حيث حاول الاخوان إستعجال الغاء الدولة المدنية المصرية وتأسيس بنية دولة الخلافة على انقاضها، فاصطدموا بجدار المعارضة الموحدة، فلم يتراجعوا في الوقت الصح، وعندما تراجعوا بعد حين كانت الفرصة قد نفدت، وجاء حُكم رد الفعل وقراره في سيناريو يتكرر دائماً، لكن باشكال مختلفة.
وبعيداً عن التفاصيل فان الاسلام السياسي الحاكم (والمحكوم) في دول مختلفة اصيب، وما يزال، بذهول وخيبة وهو يتابع كيف تتحطم حصون نموذجه المصري الذي بدا كوصفة مشجعة لدولة اسلامية تتحقق عبر “جهاد “الانتخابات، بدل جهاد المعارك و” رباط الخيل” مادام تتمكن صناديق الاقتراع من تسويق “شرعية ديمقراطية “تتمدد الى سلطة وتشريعات واجراءات دينية، وهذه الشرعية كانت آخر ما تبقى في جعبة الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ليعيد، في اللحظات الاخيرة من حكمه، عقارب الساعة الى الوراء بالقول: انا الشرعية والشرعية انا.
لقد اخفق الاسلام السياسي المصري في عام واحد من الحكم في ان يطبق بدائل ادارية حذرة تختلف عما كانت حركة طالبان قد اعتمدته وانتحرت فيه، وايضا عما يقوم به حكم الاخوان في السودان والذي انتهى الى نظام لا طعم له، والى عزلة خانقة وتخبط في السياسة والمواقف، وهكذا هزمت عقيدة الاسلام السياسي في مفصلها الرئيس الذي يتمثل في ترجمة الشعارات والمنظورات الى الواقع عن طريق السلطة “الشرعية “واخصاء المجتمع المدني، وستترك هذه الهزيمة آثارًا عميقة في العقيدة نفسها، لا يُستثنى منها فرقٌ اسلامية اخرى تجرب اقامة دولة دينية من بوابة صناديق الاقتراع، فان التمرين المصري افتتح العد التنازلي لهذا الخيار.
***
حكمة مترجمة:
“ الطريق الى المقصلة ليس دائماً ينهي حياة المذنبين“.