إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال وصوله منطقة ايمن الموصل في التاسع من تموز الجاري بان “النصر العظيم على داعش سيعلن قريبا “يعد استباقاٍ متعجلا للاحداث، لا لزوم له، في ظروف حساسة ومشحونة بالعواطف والمخاوف، وذلك قبل ان تكتمل معطيات النصر العسكري الناجز على الارض، وكان له ان يترك ذلك الى المحللين والاعلاميين والقادة العسكريين، لتهيئة الاذهان والنفوس لإعلان النصر العظيم، والاكتفاء بدلالة الزيارة الى وكر الجرذان بوصفها نصراً بحد ذاته، وكان ذلك الاستباق قد فتح باب اللوم وعدم الرضى وضجيج التأويلات المسيئة بان العبادي يذعن الى “ضغوط“ ليدع إعلان النصر من حصة الحلفاء الاميركان.
وفي التفاصيل التي تفترض عدم استباق الهزيمة الناجزة لداعش ما هو معروف عن وجود جيوب من اشرس الارهابيين المجرمين يقاتلون حتى الرمق الاخير بعد ان يعرضوا اكبر عدد مما تبقى من المدنيين، كدروع بشرية، الى الموت، الامر المعروف لجميع المراقبين، وهناك تقديرات منسوبة الى محللين استراتيجيين تفيد ان جيوب داعش في المنطقة ستواصل إشغال القوات العراقية بهدف تغطية انسحاب من يستطيع وسط النازحين، أو عبور النهر من ثغرات قد تتاح لهم.
على ان العبادي كان على صواب حين توقف عند حدود القول بان اعلان النصر العظيم في الموصل “مسألة وقت“ وتجاوز كل ما قيل عن توصيف هذا الموقف السليم، من اشارات وشكوك تناوب على اطلاقها سياسيون ونواب واعلاميون، ومواطنون عاطفيون، وتضمن هذا ”الاحجام“ رسالة فصيحة بان إطفاء معادلة داعش في العراق وبسط الامن في البلاد لا تتم باعلان النصر، بل بسلسلة مديدة من الاعمال والاجراءات والمعارك والتضحيات، اخذا بالاعتبار بان مناطق مهمة في الموصل والانبار وصلاح الدين ومناطق الحدود ما تزال مغتصبة من فلول التنظيم الارهابي لزوم معارك لا تقل شراسة عن سابقاتها.
ولم يكن رئيس الوزراء على خطأ، ولا في حالة سهو، ولا بغرض استرضاء الاميركان، حين اكتفى بتهنئة القوات الامنية المنتصرة، من دون اشارة الى صنوفها المختلفة، في لفتة الى اهمية ترسيم البعد الوطني، الرسمي، لقوات الدولة، متوقفا عند مآثر الشهداء من المقاتلين، ولا يعد ذلك بمنزلة تجاهل للبطولات والتضحيات والاساطير القتالية المسجلة باسم الحشد الشعبي وابنائه، وخاصة حين توجه بالتحية والثناء الى المرجعية الدينية، صاحبة المبادرة، في افتاء الجهاد، وتشكيل الحشد، ضد الغزاة المجرمين.
والحق انه لا أحد ممن يعنيه مستقبل وأمن العراق يستطيع ان يبخس قطرة دم واحدة من دماء اولئك الفتية الذين حملوا سنوات عمرهم الغضة وقدموها في ساحة القتال لتنعم الملايين بالحياة الآمنة.
***
سوفوكليس:
“ أفضل أن أفشل بشرف على أن أنجح عن طريق الغش“.