ربما، من حسن الحظ، ان تضرب الازمة المالية العالمية ميزانية العراق وعائداته في الصميم، لكي نكتشف كيف اُهدرت الاموال الطائلة في ما يشبه العطايا المفرطة في السخاء والإرشاء، الى “فئات“ يصل نصفها الى المستحقين و”ينحرف“ نصفها الآخر الى جيوب اصحاب المكرمات، أو الحبربشية الذين يحيطون بهم.
اقول، لولا هذه الازمة لما أمكن ازاحة الستار عن حنفيات الاموال غير الشرعية، ولاستمرت بالتدفق في قنوات الزعامات والاحزاب النافذة لتشتري بها الذمم وماء الوجه والولاءات، بالمفرق والجملة.
والحال، بين ايدينا ملفان خطيران فتحا مؤخرا، الاول، عما تم تخصيصه من اموال فلكية الى ضحايا التنكيل خلال انتفاضة العام 1991 لدرجة ان الذين وقفوا وراء اجراءات وقرارات التخصيصات تلك صاروا (بسبب لا معقوليتها واستفزازها للمشاعر وخروجها عن كل ما هو معروف عن فكرة التعويض عن المظالم) يتبرأون منها ويلقون بالمسؤولية، لا على اصحاب المخالفات المعروفين في الحكومة السابقة، بل على الحكومة اللاحقة، فيما كُشف ان احد فرسان الاهدار المنهجي للاموال، وحامل الملايين من الدولارات باكياس الزبالة، ظهر من على الشاشات الملونة لائما (هذه الحكومة) على صرف تلك التخصيصات التي تسمح لمئات الاشخاص ان يتسلم كل واحد منهم الآن ما يصل الى 15 مليون دينار في الشهر، من دون وجه حق، هذا عدا العدد الكبير المسجل على قائمة التعويض بما يخالف مدونات ومُعتمدات دوائر المعسكر والسجلات الدولية، ذات الصلة.
اما الملف الثاني فيتعلق بزيادات اعتمدت في رواتب مقاتلي الحشد الشعبي، حيث اتضح انها لم تصل لهم، بل ان المقاتلين صاروا بعد اجراءات رفع تخصيصاتهم يتلقون رواتب أقل، الامر الذي اضطر رئيس الوزراء حيدر العبادي الى تشكيل لجنة تحقق في الموضوع، والى ان يحذر(في مؤتمره الصحفي في 18 تموز الجاري) من استعمال تلك التخصيصات في عمليات توظيف أشخاص أو تمويل حملات انتخابية.
ولا يحتاج هذا الكلام الى تعليق بقدر ما يلزم دقيقة صمت على ارواح شهداء الحشد الشعبي الذين قاتلوا ودماؤهم على اكفهم.
***
- ابن عساكر عن عبدالله بن الحسن.
قال النبي محمد ص “شرار امتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يأكلون الوان الطعام، ويلبسون الوان الثياب، ويتشدقون بالكلام.”