لم يحصل ان تدحرجت ازمة التغيير (الاحتلال) لعام 2003 الى مفترق طرق ساخنة ومصيرية و متضاربة، مرة واحدة، كما حصل بعد تحرير الموصل من فلول داعش في العاشر من تموز 2017 كما لم يحصل ان ضرب التشرذم المجتمعي والسياسي والجغرافي بين المكونات العراقية (قوميات. اديان. طوائف. عشائر. عقائد..) وفي داخل كل مكون، كما حصل في فترة اقل من عام واحد يبدأ من اطلاق حملة “عائدون يا نينوى“ في 16 تشرين الاول-اكتوبر 2016 الى استفتاء اقليم كردستان في 25 ايلول- سبتمبر 2017.
فقد ازدحم المشهد، فجأة، بلاعبين من كل منحدر يسعون الى الاستثمار في هذا الانتصار، وباخرين استغلوا المناسبة لغسل سجلاتهم ووجوههم مما علق بها من طعون، كما انفتحت ملفات نائمة موصولة بالترتيبات وتناسب الحقوق والامتيازات لدولة المحاصصة، او ما يتعلق بهوية ووظيفة ومستقبل الدولة، او متصلة بالعلاقات والالتزامات مع دول الجوار ودول التحالف ضد الارهاب.
وبموازاة ذلك انفجرت اسئلة مؤجلة كانت اعمدة الدخان قد دسّتها طي النسيان وفي شعاب المساومات، من قبيل كلفة النصر “من يدفع ومن يعوَّض“ واخرى مسكوت عنها خشية استفزاز ثيران “الخيانة“ التي تقيم في صالة الخزف وقد سهلت اغتصاب الاراضي واحتلال الموصل، وثالثة تحتاج الى اجابات خادعة تعيد توازن القوى بالمراضاة، وقل بالرضا على مضض، في وقت اندلع الحديث (الضجيج) عما سمي بمرحلة ما بعد داعش، قبيل هزيمة دولة الخلافة، وكان في جوهره موصولا ببناء مسوغات المعركة المقبلة: معركة الجميع ضد الجميع، او معركة المساومات بين الجميع، وقد لعب في هذا الملعب جيش من القوالين وطوابير من اصحاب السياسة وصناع تصفيات الحساب، وجس النبض، وزعيق الشاشات الملونة، والقليل منهم وضعوا كراهياتهم وانحيازاتهم الطائفية والاثنية والايديولوجية جانبا ليروا الحقائق من دون رتوش، ولا حاجة لاستباق الاحداث لمعاينة ردود الافعال في الشارع، وما تخفيه الصورة الزاهية للاسترخاء العام، المبالغ في تسويقها، فان الحاجة هنا، وفي هذا العماء الجمعي، الى ”نظر“ زرقاء اليمامة، التي شاهدت ما لم يشاهده ابناء عشيرتها الجاهلية “جديس“ من غزاة لموطنها على بعد مسيرة ثلاثة ايام، والى مبادرة الملك الاغريقي “كروسس“ يوم وضع كهنة معابد اليونان قبل ثمانية الاف سنة في حضيرة الاختبار ليكتشف انهم جهلة، حاجتنا الى مراجعة حقيقية وشجاعة وصادمة تبدأ من حيث انتهت معركة راوة منتصف تشرين الثاني - نوفمبر الجاري، كآخر معاقل دولة ابو بكر البغدادي، إذ سقط معها العقل السياسي السائد والقابض على لعبة “الكتل“ و”المكونات “والذي اوصل البلاد الى حافة الاستقالة من الخارطة، وانام الملايين على وسادة كل شيء على ما يرام.
اقول ثمة القليل من اصحاب الرأي والنظر رصد ما كان يجري في الدورة الدموية للحاضر العراقي سرطانات عشية هزيمة داعش، ومن بين اولئك القليلين كان “مصطفى فيلد” مدير منتدى الاديان بلندن حيث رصد في مقال له في الاندبندنت ان الوحدة العراقية المتجلية في انتصار الموصل“ ما تزال هشة” وان الاسئلة“ ستستيقظ من النوم” بعد ان ينتهي تهديد داعش للعراق.. وفي هذا القول اشارة الى شيء ما سيحدث، كانت فتاة جديس مصيبة في الاحساس به.
******
كافكا: “الحياة حرب، مع نفسك، ومع ظروفك، ومع الحمقى
الذين صنعوا هذه الظروف “.