1
كل الذي يقال صحيح بان معركة الفساد بالصورة التي يُعلن عنها وما يتسرب من اسماء تُلاحق يمكن ان تطيح بمستقبل (او توافقات) العملية السياسية وبكتل وزعامات نافذة، لكن هذه المعركة لم تبدأ، ودليل ذلك، ان الرؤوس الفاسدة التي يُشار لها، ومئات من اتباعها الفاسدين ما يزالون في مواقعهم، ويلاحقوننا الى منازلنا، مبتسمين ومتشفين، عبر الشاشات الملونة، وان امبراطورياتهم التي اغتصبوا اراضيها ومنشآتها وقصورها لم تزل شاخصة ومحروسة، والاكثر من ذلك انهم يواصلون النهب المنهجي للثروات والمصالح من دون تحسب لخطر او لقصاص.
واحسب، من موقعي كمحلل حر، ان معركة الفساد ستبدأ من جبهة ما، على شكل ضربة نحو عش الدبابير، وعلينا ان نترقب المشهد على وجوه الفاسدين، فهي تبدأ من امارات الهلع على تلك الوجوه قبل غيرها.
2
قبل ان يضرب الفساد الهيكل الاقتصادي والمالي للدولة فقد ضرب الاداء(والعقل) السياسي للكتل والشخصيات وادارات الدولة في الحكومة ومجالس المحافظات، لكن القليل من المعالجات تمعن النظر في الفصل الاخطر لهذا الفساد، الموصول بإثاره المجتمعية المدمرة، ويكتفي غالبية الذين يتصدون الى الموضوع بالتعريف الاكاديمي للفساد السياسي الذي وضعه البنك الدولي كونه، وبمعناه الأوسع، إساءة استعمال السلطة العامة (الحكومية) وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب، الامر الذي يغيّب (ويضيّع) تلك المعطيات التي افسدت الذمم واستعملت الآليات الديمقراطية لتزوير ارادة الشعب، وصناعة الثقافة السياسية للفساد، واشاعة الاضطراب الاعلامي بحيث تظهر رؤوس الفساد كآلهة للنزاهة، بل وكمحاربين أشداء للفساد، وينعكس ذلك في ما هو معروف من مصدات و”حصانات “تشريعية للفاسدين السياسيين، أخذا بالاعتبار ان الكثير من بؤر ونشاطات الفساد تدار (بنحو غير مباشر) من سياسيين فاسدين عبر شبكة معقدة من الاتباع ومحترفي النصب واللصوصية والتهريب وغسيل الاموال ووكلاء الشركات والاستثمارات الوهمية.
وهذا ايضا، ليس سوى الوجه الذي يُرى عادة بالمعاينة والتداول.
3
يظهر الفساد ايضا في خلق اجيال محسنة من الفاسدين تتخذ من العمل السياسي وسيلة للوصول الى حلقات خطيرة وحساسة في ادارة الدولة وكابينة السلطة التنفيذية، وفي الاخص منها، المراكز الادارية التي تتحكم بالمال والاستثمارات والمشاريع، وهي، في سبيل “الصعود ” الى تلك المفاصل الخطيرة، وتلميع سيرتها وسمعتها، تدير ماكنة رشوات وإفساد منهجية عبر دعاة سياسيين واعلاميين ودينيين وقانونيين، وايضا (انتباه) عبر عصابات للجريمة المنظمة تقدم خدمات الاختطاف والتهديدات والسطو محسوبة على سياسيين في مواقع السلطة وخارجها..
***
ابن عساكر:
“قال النبي محمد ص” شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون بالكلام. “