كان انقلاب شباط العام 1963، بشعاراته وجنس السلطة التي جاء بها وهوس القتل الذي رافقه، بمثابة بروفة تطبيقية مبكرة لمشروع الإرهاب في البيئة السياسية العراقية إذْ توّج مسيرته بالطور الداعشي عام 2014، فلا غرابة هنا (اليوم) ان يتحالف ورثة انقلاب شباط الصداميون مع قطعان داعش الارهابية، فان النزعة الدموية للفصيلين والمصاهرة الايديولوجية بينهما (عنصرية قومية- تطرف ديني) بائنة كفاية في اكثر من واقعة وممارسة ووثيقة واعلان، وليس من قبيل المصادفة ان ينتقل جنرالات البعث والكثير من اشرس كوادره وعناصر اجهزته القمعية الى صفوف الخلافة المتوحشة في الموصل والرقة وكركوك، وان يحققوا شراكة دموية بين الاستئصالية القومية والتكفيرية الدينية، ويجعلوا منها دستورا لدولة وبالتفاصيل، فان ما يجمع ورثة انقلاب شباط بمشروع داعش اباحة إهدار دماء الخصوم دون محاكمة على اساس شرعية منفلتة وكيفية واجرامية وبيان رقم 13 سيئ الصيت كان يهدر دماء الناس بالشارع بسبب معارضتهم للانقلاب، وقد تجاوزت اجراءات الانقلابيين شكل قتال المعارضين للانقلاب الى عقاب جماعي للاحياء والقوميات والاقليات الدينية، في تمرين مبكر للهمجية الارهابية وجدنا ابشع تطبيقاته على يد الغزاة الداعشيين، وتشاء المقارنة ان تكشف حقيقة ان عنوان الضحايا هي نفسها على يد انقلابيي شباط 1963 وغزة الموصل عام 2014، سوى انها هناك ارتدت الشعارات القومية الصفراء وارتدت هنا الشعارات الدينية الاكثر اصفرارا.
اما الشرعية التي منحها الانقلابيين البعثيين لانفسهم فلا تختلف من حيث كيفيتها وسبل فرضها عن الشرعية التي اعلنها الدواعش دستورا لهم، فهي شرعية ثورية هناك وشرعية فقهية هنا، وفي الحالتين ثمة جهة صغيرة (القيادة الحزبية) او شخص (الخليفة) عهد لها حق اصدار القرارات الخاصة بمصائر الناس وبترخيص المذابح والاستئصالات وفرض السلوك والولاءات (البيعة) دون العودة الى قواعد الشرعية الانسانية المعلنة في الموثقات الوطنية او الدولية، ولا اي شكل من اشكال التفويض المجتمعي، بل ان ما جرى على يد الانقلابيين والدواعش هو عملية اخصاء همجي للمجتمع الذي يدخل تحت امرتهما، ليكون مستسلما للحاكمية الجديدة، او متواطئا معها.
الى ذلك فان الهدف المعلن من انقلاب شباط كان يتمثل في اعادة بناء الدولة القومية (وبالتفاصيل: تحقيق الوحدة) والهدف عند داعش هو تشييد الدولة الاسلامية، وتوحيد الامة الاسلامية فيها، وكلتاهما دولتان هلاميتان لهما مشتركات في سطوة التخيل وتطرف المطامح، والحال، فانها في الحالتين، دولة تقترب من الغابة، إذ تخضع مخلوقاتها وأقدارها الى مشيئة قوة مفترسة لا حياة لمن لا يذعن لها، ولا مكان للاختيار او الخصويات او التنوع او استزاج الرأي والمشورة والاعتراض في قاموسها، والاخر عندها عدو.. وصورة العدو مقتول دائما.
بقي شيء واحد يتصل بالنهاية، إذ يجمع انقلاب 8 شباط ومشروع داعش خاتمة واحدة، مطلوبان للعدالة، ومكان واحد: المزبلة.
***
الزمخشري: “من زرع الإحن حصد المحن.”