لا يصح، من حيث التحليل الحيادي، ان ينطلق المحلل المُنصف، في معاينة الحملة الاعلامية والسياسية و“الشخصية“ المتزايدة والمتنوعة على إداء وادارة حيدر العبادي، من افتراض مسبق ان الرجل مظلوم، او مُتجنى عليه، أو موضع تآمر وحسد ومزاحمة على الموقع، فان ادارة سليمة وصائبة ومرضيّ عنها لسلطة القرار في بلد نزاع وحروب ومشكلات، مثل العراق، تقرب من المستحيل، وان القول (المتحمس) بان رئيس الوزراء على حق في كل المواقف والسياسات والمعالجات هو قول لا علمي، ولا واقعي، ولا يستقيم مع المعطيات الواقعية، وهو يشبه(من جهة اخرى) القول الارتجالي بان العبادي فشل وكان ضعيفا ولم يحقق وعوده وبرنامجه، فهو الآخر لا يصمد امام جملة الحقائق على الارض.
يبقى الامر، اذا ما اريد اخضاع مرحلة العبادي الى التقييم الجدي، بحاجة الى معيار موضوعي لنجاحات واخفاقات المرحلة من 2014 حتى الآن، وقبل ذلك الى منظور لما هو خطأ وما هو صحيح في التعامل مع مرحلة ما بعد الدكتاتورية، المأزومة والمتداخلة، حيث افرزت كلفة باهظة من الدماء والثروات والتصدعات المجتمعية وحالات التدخل والاملاءات الخارجية وما يقترب من النزاع الاهلي في مسميات التوظيف السياسي للحالة الطائفية (الشيعة. السنة) والقومية (العرب. الكرد) والفئوية الحزبية، والعقائدية، والعشائرية، شديدة التعقيد، وكلها تدخل في مسؤولية حكومات ما قبل حكومة العبادي، وعلى وجه الدقة مسؤولية الطبقة السياسية التي حكمت وأدارت مصائر البلاد بانانية مفرطة، منذ العام 2003 بموجب نظام المحاصصة سيء الصيت. على ان الكثير من الذين ينتقدون سياسات العبادي، أو يعارضون منهجه، لا يأخذون هذه المحددات بعين الاعتبار، وقد يكون لهذا العيب ما يبرره بالنسبة للسياسيين المتصارعين على السلطة والمواقع والامتيازات، لكن المشكلة ان كتابا واصحاب رأي ومساهمين بالجدل والاعلام واقنية التواصل الاجتماعي نأوا عن معايير الموضوعية الى الضجيج واستعراض سلاطة اللسان في رصد اتجاهات مرحلة العبادي للسنوات الاربع الماضية، وقد جرّوا الشارع والعقل السياسي والرأي العام الى التباسات وضلال وغيبوبة موضوعية، من ابرز معالمها هذا التشرذم السياسي والفكري الذي يضرب كل الوحدات السياسية والمجتمعية (طوائف. كتل. عشائر. قوميات. مناطق. احزاب..الخ) من دون استثناء، فمن النادر ان تجد قطاعا مجتمعيا او سياسيا قد استقر على قناعة، او اتفاق، حيال سؤال او حدث مهما كانت اهميته وخطورته ووجوب (وضرورات) التضامن ازاءه.
وثمة مشكلة اخرى تتصل بالجانب المنهجي لتقييم ادارة العبادي للسياسات تتعلق بحملة الدعاية الانتخابية المبكرة، إذ تتداخل اعتبارات الإنصاف والمسؤولية والموضوعية في “هوى“ الولاء والتزاحم والكيدية والتشهير، في عاقبة خطيرة تبدو انها مؤجلة.. وما أدراك ماالعاقبة.
****
مارتن لوثر كنغ:
“عندما يتآمر الشياطين يجب ان يخطط الخيرون”.