عادت كلمة المؤامرة الى مانشيتات الاعلام وتصريحات الساسة، وفي غالب الاحيان من دون تسمية المتآمر الذي يبقى شخصا او جهة او دولة او مشروعا بحسب مقتضيات المعركة او كما تتطلبه الخصومة السياسية بالتخويف من الخصم.
وإذ يقترب موعد الانتخابات فان السياسيين الطائفيين الكبار، ومهرّجيهم، يهرعون الى وسائل تخويف ابناء “المكوّن“ من مؤامرة (عالمية واقليمية وداخلية) تهدد وجودهم، وأحيانا، يتحدثون (للدعاية) عن مؤامرة تهدد العراق، او مؤامرة “تفتح ابواب جهنم علينا “وكلها تعني شيئا واحدا: انتخبونا لنُفشل المؤامرة وننقذ البلاد والعباد.
رفْض نظرية المؤامرة، في الاقل بالنسبة لي، لا يعني الاعتقاد بعدم وجود مؤامرات وراء الكثير من الاحداث، او لا وجود لسياسيين وفئات وقيادات وزعامات دول يتآمرون علينا، وعلى بعضهم البعض، فالمؤامرة وسيلة قديمة لكسر شوكة الخصوم منذ تكوّنت المجتمعات، وثمة في عمق الموروثات والأخيلة والروايات التاريخية والدينية اشارات وفيرة الى “المؤامرة “:
قابيل تآمر لقتل اخيه هابيل.
ان نظرية المؤامرة اصطلاح حديث في علوم السياسة، وقد دخل في الاستخدام منذ العقد الثالث من القرن الماضي على هامش الانشقاق في النظام الدولي بتأسيس الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية، وانتشار اعمال الاغتيال والتدخل والتجسس وتراجع الفكر الموضوعي والتحليلي المستقل، وقد اصبح هذا المصطلح معبراً لتفسير الاحداث مع صعود الحرب الباردة، وخصّه “قاموس اوكسفورد” بسطور ضافية عن محاولات تسبيب الاحداث على انها “أسرار“ ،”وغالبا ما يحال الحدث الى عصبة متآمرة”.
الى ذلك، قدمت نظرية المؤامرة (كل حدث وراؤه اسرار ومؤامرة) خدمات جليلة للذين اختلطت عليهم الامور وصعُب عليهم البحث الصبور الواعي والموضوعي في خلفيات الاحداث، أو الذين ولعوا في توليف الروايات وجمع النتف العابرة من الاحداث والاقوال لتقديمها كحقائق خافية، كما استخدمها مسؤولون عن الاخفاقات والفشل والكوارث لرفع اللوم عن النفس وإبراء الذمة عما حصل وإلقاء المسؤولية عن ذلك على “مؤامرة “وهم ضحاياها، ثم اشاعة الهلع بين الأتباع لنزع ارادتهم باعتبار ان المؤامرة اكبر منهم، وهم صغار، لا حول لهم ولا قوة، سوى اللوذ بحُماتهم وطوائفم وبالوعاتهم.
***
ابو تمام: لئيم الفعل من قوم ٍ كرامٍ
له من بينهمْ أبداً عواء