من يبحث عن موصوفات هوية العراق في برامج الكتل والاحزاب المتنافسة في انتخابات 2018 (وفي ما سبقها من انتخابات) سيكتشف، من خلال تسميات صريحة او موحية، المسافة الشاسعة بين نظرات اللاعبين واصحاب المشاريع السياسية لهوية بلادهم (تعددية. عربية. اسلامية. جامعة. مذهبية. دينية . قومية. فارسية. عثمانية..الخ) .
وتزداد التوصيفات غموضا وتهربات من التحديدات مع قرب موعد الانتخابات في الثاني عشر من ايار المقبل، وفي سياق هذا الجدل نجد ان الكثيرين ، وربما الجميع، يتفقون على ان هوية دولة العراق في العام 2018 لم تتبلور بعد، وان دستور العام 2005 لم يساعد على ضبط بناء مفاصل هذه الهوية، وقد يذهب البعض، وله الحق، الى القول ان الدستور وضع الغاما امام اي محاولة لترسيم هوية الدولة، والحال، ان الذين يبحثون موضوع (هوية) الدولة العراقية الحالية، يجدون كمّا غير قليل من المفاهيم، منها ما يمس جوهر الموضوع، ومنها ما ينأى الى التمنيات والتنظير والفرضيات تنفع في تنمية الثقافة السياسية والقانونية اكثر مما تنفع في معرفة هوية الدولة.
القائلون بان العراق دولة مكونات، مستندين الى مفردة «المكونات» في اكثر من مادة دستورية، يضعون هذا التوصيف في أضيق الحدود، بحيث يبدو انه يتعارض مع موصوف (دولة) المواطنة التي تتضمنها جميع النصوص التي تشير الى المساواة بين العراقيين، وبخاصة المادة (14) التي تُسقط الحدود الجنسية والدينية والقومية والطائفية بين المواطنين حين يتعلق الامر بحقوقهم المدنية، كما يضعونها بالضد من التعريف الدستوري للحكم الجديد بحسب المقدمة (الديباجة) كونه “نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي“.
بل انهم يضيّقون مشمول“ المكونات“ بتجريده من البعد الاجتماعي، فلماذا لا تكون النساء، او طبقات العمال والمزارعين والموظفين واصحاب العقائد المختلفة في عداد مكونات الشعب، اسوة بالمكونات الدينية والقومية؟
لكن، التعسف في استعمال مفهوم (منطق) المكونات نجده في الامعان بتوزيع الحقوق والامتيازات على قاعدة التراتبية وخارطة الحجوم (المحاصصة) الامر الذي يضع المساواة الملزِمة دستوريا في مأزق، او في مهب الريح، والخلاصة، ان “ان المساواة بين مكونات الشعب العراقي غير متوفرة“ كما قال رئيس الجمهورية مرة لمجموعة من الاعلاميين.
وليس ذلك غير واحد من الحقائق التي يمكن ان نقرأها بسهولة في طائفة الشكاوى المعلنة، فليس ثمة مكوّن مطمئن الى المستقبل والى سلامة العلاقات والنيات مع شريكه، في ممارسة الحقوق او في تفسير النصوص، وليس ثمة طائفة او قومية او جماعة دينية لا تشكو من تهديدات او تعديات، فيما تحولت هواجس المظلومية الى شعارات تتقاذفها القيادات السياسية بغرض التعبئة والدعاية الانتخابية والنفوذ، في تجارة سياسية مثيرة للاستفزاز.
نعم، ثمة في سياقات الدستور اكثر من عبارة تؤكد على دولة المواطنة، والمساواة بين المواطنين، وبين النساء والرجال، وفي فرص العمل، وأمام القانون، وثمة اتفاقات دولية انضم اليها العراق وصادق عليها البرلمان، تقضي باحترام حقوق المواطنة باوصفها حقا مطلقا، لكن المشكلة تتمثل:
(أولا) في هشاشة الهيكلية القانونية التي تضمن بناء دولة المواطنة التي لا تلغي، طبعا، خصوصيات المكونات القومية والدينية والاجتماعية..
و(ثانيا) في ضعف جاهزية واستعداد (وايمان) الطبقة السياسة المتنفذة بوجوب تشييد دولة المواطنة، وبعض ممثلي هذه الطبقة يقولون لك، بعظمة لسانهم:
دولة المواطنة نعم، لكن على الورق فقط.
ماركيز:
“أن يصل المرء في الوقت المناسب خير من توجيه الدعوة إليه”.