صار شعار "مكافحة الفساد" يستفزني قدر ما يثير قرفي، وذلك بعد ان تصدّر، ويتصدر، كبار الفاسدين جوقة الشتامين لمَن نهب المال العام وقوت الشعب، ومَن أثرى من الوظيفة والرشى والحرب بالنيابة..
بل ان اصوات الفاسدين ووكلائهم صارت أعلى من اصوات النزهاء، ومحمولات تلك الاصوات اكثر عددا وانتشارا من اية اصوات اخرى، وبلاغتهم وهم يصفون الفساد اكثر حبكة ونفاقاً.. قال احدهم من على شاشة ملونة بان الفساد "حزام ناسف تحت عجلات الدولة العراقية"! وحتى الاعلان عن القبض على فاسدين واحالتهم الى العدالة، لم يعد يبهجني، فهو لا يعدو عن القبض على كبش فداء القى به حظه العاثر على طريق قانون مكافحة الفساد الذي كان يبحث، في ذلك الوقت، عن ضحية، أو مسحوق معطّر يغسل به وجهه.
في "علم نفس الفساد" يُشار الى ان الفاسد، المولغ بذنوبه، يعيش هاجس مطاردة العدالة له، وهو تحت هذا الهاجس يكون سيء الظن بمن حوله ولا يثق باحد، ويزيدنا الجاحظ في كتاب "البرصان.." انه قيل لأحد العلماء: مَنْ أسوأ الناس حالا؟
قال: مَنْ لا يثقُ بأحدٍ لسوء ظنه، ولا يثقُ به أحد لسوء فعله.
***
سؤال العربدة الاردوغانية
ماذا سيحدث لو ان دولة غير تركيا الاردوغانية غزت دولة مجاورة وهددت جيران جيرانها، واعلنت، جهارا نهارا، نياتها بابادة سكان من قومية اخرى، وتصر على انها لن تنسحب من الارض التي تحتلها الا حين يشاء رأس الدولة، ولا مشيئة لأحد فوقها.
من جانبي، اعرف ماذا سيحدث: ستكون هناك احتجاجات تعم اروقة الامم المتحدة، ومحافل المنظمات الانسانية، وستندلع التظاهرات واعمال التنديد من قبل جماعات حقوق الانسان والمدافعين عن الحريات.. لكن ما لا اعرفه بالنسبة لغزو جيش اردوغان للاراضي السورية واعمال الابادة التي يرتكبها ضد السكان الكرد هو معنى الصمت الذي يعم هذه الاوساط، بل واقرأ بين طيات الصمت والتعليقات بعض اشارات التشفي بالكرد، ما يعد فضيحة اخلاقية وانسانية وسياسية بالالوان الفاضحة، وبخاصة حين يكون المتشفون، لا شوفينيين قوميين واسلاميين تكفيريين، فقط، بل وكتاب ومثقفين عرب، وبعضهم (للاسف) عراقيين، وبعض العراقيين (للاسف الشديد) يعتبرون انفسهم يساريين.