4 ملاحظات موضوعية
لاحظتُ ان المناقشات التي تناولت الدعوة الى مقاطعة الانتخابات طبعت الموضوع بغير طبيعته، معا بالنسبة للمقاطعين أو المعترضين، ولا تعنيني هنا عبارات الانفعال التي اطلقها (بعض) المقاطعين وتلك التي نشرها معارضوهم، حيث ازدحمت بمظنات سوء القصد والتخوين والتهرب والجهل.. الخ. وبعيدا عن التفاصيل وجدتُ في مقطوعات الدفاع والهجوم اربع ملاحظات احسبها موضوعية بالمعنى الذي تحرص على احترام منسوب الحقائق ومنطق السياسة وعلومها.
- ·اول الملاحظات:
ان عدم التصويت، اذا ما مورس بالاسلوب السلمي (واحسب ان الدعوة سلمية) لا يترتب عليه اذى يلحق صاحبه فهو حق دستوري لأي فرد كما هو حق التصويت، بكفالة نصوص دستورية اوضحها المادة 8- ثانيا بالنص الاتي: "تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والديني" ولهذا فان التجريح والتشكيك والتهديد، وأي توصيف يسيء الى السمعة يقع تحت طائلة القانون. ومن الغرابة ان تفتي بعض الكتابات بحرمان المقاطعين، مستقبلا، من ممارسة حق النقد او الاحتجاج على الفساد والفاسدين كونهم لم يشاركوا في التصويت واختيار ممثليهم.
- ·ثانيا:
ان الغالبية الساحقة من المقاطعين(استثني انصار صدام. جماعات الارهاب) هم من الوسط المدني، العلماني، اليساري، القومي الكردي، وخلفيات الدعوة هي الشعور بالاحباط واليأس والسخط حيال ما آلت اليه العملية السياسية وفساد الطبقة السياسية وتحول البرلمان الى غطاء لكل موبقات المحاصصة والنهب والطائفية، ولا أمل (لدى المقاطعين) ان تتحسن تركيبة "سلطة الشعب" بسقوط الرؤوس التي سرقت ثروة الشعب وسفكت دماء الابرياء. لكن من زاوية موضوعية يمكن القول بان اصحاب هذه المقاطعة انما يعاقبون قوى النزاهة والمدنية بدل معاقبة الفاسدين والفاشلين بالتصويت الى بدلائهم.
- ·ثالثا:
القول ان مقاطعة الانتخابات تفضى الى سحب الشرعية عن البرلمان والنظام السياسي لا يستند الى اي منظور واقعي، أخذا بالاعتبار ان شرعية الدستور، مثلا، لم تتصدع حين قاطع التصويت عليه ثلث سكان العراق من خمس محافظات ومن مكون سكاني اساسي. كما ان شرعية الانظمة والحكومات ليست كيفية ولا تخضع للارادات السياسية الفئوية. ومن يعتقد ان بمقاطعته هذه الانتخابات (حتى مع جمهور اوسع) سيجعل البرلمان غير شرعي ربما يبالغ في الاثار التي تتركها المقاطعة على الخارطة السياسية والحكومية، او بغرض "انعاش" النفس بجرعة وهمية.
- ·رابعا:
مقاطعة الانتخابات في علم السياسة رد فعل (سلبي) محمول، احيانا، على اسباب نبيلة ومخلصة، وليس فعلا (ايجابيا).. وهو حتى ليس تمردا: تجلس في منزلك ولا تتوجه الى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلك. طبعا يمكن ان يتطور رد الفعل السلبي الى فعل مؤثر، لكن عبر عمليات ومخاضات وشروط، غير متوفرة كما اعتقد.