1- لا افضل توظيف نتائج الانتخابات في التحليل، فان التحالف موضع الجدل يبقى صحيحا او خاطئا بصرف النظر عن تلك النتائج.
2- شأن كل تحالف بين معسكرين سياسيين (كما هو الحال بين الصدريين والشيوعيين) ينتميان الى منظومات فكرية وعقائدية مختلفة فانه لا تصحّ المبالغة في الدواعي والاسباب، واختزال النظر في تجربة "سائرون" الى دور فرد معين، او الى أفراد في الظلام، فان هذا التبسيط يلحق ضررا فادحا بمنهج التحليل الموضوعي لما يسمى بالعلاقة بين الاسلام السياسي المنفتح، واليسار المدني المعتدل، وهو الموضوع الذي كتب ويكتب فيه كثيرون.
فمنذ ان ظهرت، قبل حوالي عام، مؤشرات التقارب بين جناحي الحراك الشعبي، الصدري والمدني الديمقراطي ضد الفساد والمحاصصة والفتنة الطائفية والقومية هرع الكثيرون الى الايديولوجيا وتجارب الماضي في التحالفات والتفاهمات، واجمع "الاصوليون" الدينيون، واليساريون معا، على ان الامر ينطوي على "خيانة" للمبادئ، حيث وضع الدينيون زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر امام السؤال الاستفزازي: كيف يمكن لك، وانت ابن الحوزة ان تضع يدك بيد علمانيين "ملاحدة"؟
فيما نعى يساريون وقوميون مصير الحزب الشيوعي الذي، حسْبهم، ساوم على عقيدته وتنكر للتاريخ، وثمة القليلون منهم لاحظوا هذا اللقاء، الصدري الشيوعي، في ضوء النسبية التاريخية:
فهذا التقارب لم يكن ممكنا في أي وقت مضى عندما كان الطرفان يخوضان الصراع من خندقين مختلفين (الطائفي-الديني، والمدني) وبادوات مختلفة (السلاح من جهة واحتجاجات الشارع السلمية من جهة اخرى) وتحت توجهات ومرجعيات متناقضة.. آنذاك كان مثل هذا الخيار لا ارضية له، ولا مبرر سياسي لدواعيه، ولا أحد يسعى له، أصلا.
وبقدر ما جرى تبشيع قرار قيادة الصدريين بالعمل مع الشيوعيين من قبل هيئات وزعامات دينية في العراق وخارجه (ونُشرت تصريحات وتهديدات وتذكيرات) فان قيادة الحزب الشيوعي التي نال قرارها بالتحالف الانتخابي مع التيار الصدري دعم "الاكثرية" الحزبية وجدت نفسها تحت نيران صديقة لا ترحم، واتهامات ليس اقلها خيانة الماركسية. لكن، من بين الاعتراضات التي كانت جديرة بالاهتمام، وتحمل قدرا من الوجاهة، هي القول ان الحزب الشيوعي اخفق في اقناع شركائه في التيار المدني الديمقراطي بجدوى التقرب من التيار الصدري والمضي معه قدما الى التحالف الانتخابي، وربما (في رأيي) لم يبذل الحزب جهدا صبورا في عرض تصوراته عن مستقبل هذه الخطوة، وما هو معروف عن الاخطاء والمرارات التي رافقت تجربة التحالف المدني الديمقراطي في انتخابات 2014 بالنسبة للشيوعيين.
وفي النهاية (الآن) تصدعت الاطر التي عمل فيها الشيوعيون والديمقراطيون والليبراليون، ولم ينفع كثيرا التفاهم ومحاولات ضبط العلاقة عند نقطة حسن الظن والتزام خيار الدولة المدنية مستقبلا، ويبقى المطلوب من الشيوعيين الآن وفي المستقبل، الجمع الديناميكي بين وجودهم في "سائرون" ومجلس النواب وبين محور الشركاء في التحالف المدني الديمقراطي.
3- اقول، ان نكران الطابع الظرفي لتحالف الصدريين والشيوعيين، يوقع في سلسلة تبسيطات للمسؤولية التاريخية حيال وطن تهددة حروب الطوائف والقوميات وينخره الفساد.
من جهة، كما يوقع في تعصب ايديولوجي لا يرصد، كفايةً، التغييرات في الحالة الشعبية وفي مواقف القوى الفاعلة والمؤثرة في معادلات السياسة والحكم لما بعد 2003، وهذا النكران تقابله من جهة اخرى محاولات تضخيم الامال المعلقة على هذا التحالف وعدم استبصار العوائق امام تنمية وعي العمل المشترك بين تيارين يفرقهما التاريخ وتجمعهما الظروف.