1 – سقوط مرحلة
ما حدث منذ انتخابات الثاني من آب 2018، وتداعياتها، وردود الأفعال التي صاحبت إعلان نتائجها، يدخل، في حصيلته، مدخل الزلازل السياسية التي تضرب حاضر الدول فتتداعى حلقاته الرخوة..
فكيف بالعراق الذي تراخت، بل وتصدعت، حلقات حاضره المجتمعية والاقتصادية والسيادية (قبل زلزال الانتخابات) في دولة ما بعد الدكتاتورية، شاء مؤسسوها أن يحشروا نظامها السياسي (العملية السياسية) في هوية “مكونات“ تتقاسم أحزابها السياسية (الطائفية والقومية) السلطة والامتيازات والثروات.
إذ انتهت هذه الدولة الى إفقار الملايين وحرمانها وإذلالها، وإلهائها بانتخابات باذخة تجدد، في كل مرة، سطوة الفاسدين وهيمنتهم على أقدار الشعب.
أقول ايضا، ان انتخابات آب الماضي (ولأسباب كثيرة) سجلت نهاية مشروع “شراكة احزاب المكونات “البغيض، وجعلته من الماضي بوصفه بروفة لحكم الجميع بالتوافق والتواطؤ وتقاسم الامتيازات، فقد جاءت نتائج تلك الانتخابات (مع المقاطعة المليونية) مخيبة لأصحاب هذا المشروع، حين وجدوا انفسهم “شذر مذر “في سلسلة كتل مجهرية، متناحرة، منبوذة، مرتابة من بعضها البعض، وغير قادرة على مواصلة الامساك بمعادلة الحكم وضمان الحماية من رد فعل الشعب، وتحت هاجس الرعب من القصاص الجماعي الذي لوح ويلوّح به الشارع الغاضب فان زعامات الفساد والطائفية والمحاصصة.
تسعى (الآن) الى اصطفاف وقائي يعيد عقارب الساعة الى الوراء، او يجمّدها عند التقاط الانفاس، والاعتذار الخجول، والحديث عن الاخطار و”المؤامرات“ والمصلحة العامة، بانتظار ان تعود “المكونات“ الى الاستسلام والطاعة، ويعود طاقم الرذيلة الى موقعه، ممثلاً لها، وقد تنجح فتضطرم النيران في القش المتراكم في جميع مفاصل الدولة، وقد تخفق، ولهذا مسارات عديدة، لا اغامر بالمراهنة على واحد منها.
الحديث عن دور القوى الدولية والاقليمية في ما حدث ويحدث لا جديد فيه..
فان المتنافسين على العراق، الحلفاء والجيران، يحرصان معا على تجديد “شراكة“ احزاب الطوائف والاثنيات في حكومة واحدة تُحسن ادارة و “تنمية“ مصالحهم، على تناقضها، من دون مشاكل او إعاقات، وان تكون هذه التشكيلة الحكومية ضعيفة، فاقدة الهيبة والطعم والارادة، و(طبعا) لا احد من المعسكرين يأمل، أو يتوهم (وربما لا يريد في هذا الظرف المحتقن) .
ان تتشكل حكومة موالية بالكامل له، فان كلفة ذلك باهضة، كما يصعب، ويستحيل، حماية او ترسيخ مثل هذه الحكومة (الموالية) في بيئة محلية مضطربة وحساسة، واقليمية ملتهبة طاردة.
بوجيز الكلام، ان العراق، بالحال المزري الذي بلغته الملايين، وحركة الاحتجاج الواسعة، وبالسلطة التشريعية الجديدة الهشة والحاملة لتناقضات عصية على التسوية، خرج الآن عن السيطرة، وأن امكانية (وأحلام) اعادته الى نظام المحاصصة سقطت تماما، كما سقط بالوحل خطاب الاثارة الطائفية والتاليب القومي والمناطقي..
لكن الاستدراك هنا ضروري:
ان أرضية التغيير نحو شكل من اشكال دولة المواطنة متوفرة في جملة من الشواهد والشروط، فيما أدوات التغيير لا تزال ضعيفة، او على وجه الدقة:
انها في طور التشكل، في موصوفات جدديدة تماما، ومختلفة عما قرأناه في الادب الثوري.
الليل للتآمر والنهار للحقيقة
“كثيرا ما وجدتُ أن المشكلة التي تكون صعبة في الليل
تُحل في الصباح“.
جون شتاينبك (الكاتب الامريكي)