لإصلاحات التاسع من آب معارضون، هذا امر بديهي ومنطقي، بل ان القاعدة صحيحة الى حد كبير تلك التي تقول “اذا لم يكن لهذه الاصلاحات معارضون فانها ليست اصلاحات في الاصل “ويستطيع الباحث الموضوعي في خارطة واتجاهات المعارضة هذه ان يخرج بحصيلة اولية تتمثل باختلاط ما هو حق في المعارضة وما هو باطل.. بعض اصحاب الحق في المعارضة يرون انها جاءت كاجراءات وقائية ومهمة، لكنها لن تغير، بل ترجئ، مسار التدهور الشامل في ماكنة دولة ما بعد الدكتاتورية واهليتها ووظيفتها، ويذهب البعض الآخر منهم الى القول ان هذه الاصلاحات جاءت كردود فعل ازاء التدهور، وان “انقاذ“الدولة الجديدة من الانهيار يتم فقط عن طريق الفعل، وليس رد الفعل، وذلك ببرنامج اصلاحي “ثوري“يقوم على تصويب واستبدال القواعد والنظم السياسية التي قامت عليها هذه الدولة (المحاصصة. الدستور.. الخ) ويذهب هؤلاء الى كتب الفيزياء، والى قوانين نيوتن للحركة، والقانون الثالث منها، حول احكام الفعل ورد الفعل، والتي تخلص الى ابقاء الحال على حاله في نهاية المطاف، وهي قراءة (معارضة) متهمة بالميكانيكية، كما اتهمت نظرية نيوتن نفسها.
وقد يدخل في فريق المعارضين المحقين في معارضتهم، اولئك الذين يقولون ان القرارات الاصلاحية التي اطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي لم تكن تستند الى ترخيص “الزعماء “الذين يشاركونه في ادارة مصائر الدولة، وهو اعتراض ينبغي ان يناقش على اساس بمسبوقيات عدم الانسجام والتفاهم داخل فئة الزعامات السياسية بما حال ويحول دون امرار اصلاحات تمس بعض مصالحهم وامتيازاتهم.
اما القول ان الاصلاحات ليست شرعية ولا دستورية فقد اصطدم بحقيقة انها حظيت بالتصويت من قبل مجلسي الوزراء والنواب وحملتها التظاهرات الشعبية الى مصاف قضايا المستقبل، وانزلتها المرجعية الدينية منزلة الواجب في صدارة مسؤوليات الحكومة ورئيسها.
اما اصحاب الباطل في معارضة القرارات الاصلاحية فان البعض منهم لا يعنينا امرهم هنا، لأنهم -على اختلاف المواقع التي يقفون فيها- ينطلقون من مصلحة محددة مرتبطة بحالة ابقاء الدولة العراقية عليلة، فاقدة القدرة على المعافاة، ومثقوبة بالفساد والعنف والاضطرابات، وان الاصلاحات تعني تجريدهم من المكاسب والامتيازات، وتعني بالنسبة لغيرهم انحسار امكانيات شراء الذمم واختراق منظومات الامن وقطع الطريق على ادارة طاحونة العنف والارهاب وتدمير ما تبقى من الدولة واخذها اسيرة الى المجهول، وبالنتيجة فان اعداء الاصلاحات المكشوفين لا يدخلون في الجدل الدائر حول ضرورة او عدم ضرورة الاصلاحات، فهم لا يعترفون بالدولة، ولا بدستورها، او بارادة شعبها، والاصلاحات تشكل بالنسبة لهم محاولة وأد مشروعهم الاجرامي.
على ان اخطر خصوم الاصلاحات هم اولئك الذين يظهرون انهم يقبلون بها، ويتماهون بين انصارها، ويظهرون حماسا مغشوشا لها، ويمضون في هذا السلوك طالما انها لا تمس ملفات التعدي على المال العام الزاخرة باسمائهم، ولا تفتح سجل المخالفات الذي يضم شنائع مفاسدهم، الامر الذي اشار له رئيس الوزراء حيدر العبادي مؤخرا بالقول: “ان بعض الاصلاحات مست مجموعة من الفاسدين، وهم سيحاولون عرقلة اجراءات الاصلاحات ولن نسمح لهم“ .