كلما يأتي ذكر السفيه اتذكر قصة الضفدع السفيه الذي اراد ان يضاهي الغزال الرشيق في حجمه وحركته فراح ينفخ في نفسه، وينفخ، وينفخ.. حتى انفجر فظهرت تفاهاته على حقيقتها.
اقول ايضا: لا ينصرف ذهنكم الى انني اتحدث هنا كرد فعل عن تطاول احد السفهاء عليّ، ولكنها حكاية نحتاج ان نكررها دائما عندما يمعن السفهاء في اعتداءاتهم على اوقاتنا واذواقنا وكراماتنا.. وعندما يدنسون الشاشات الملونة صباح مساء.
*********
الى ذلك، فلكل مرحلة سفهاؤها، وسفهاء مرحلتنا يختلفون عن سلفهم بصفات رنانة، فلا تستغرب انهم يضعون انفسهم موضع القضاة، وينزلون بها منزلة المهرجين، ويرفعونها الى شفاعة الصفات المقدسة. ولا ينبغي ان تتفاجأ من السفيه، أن يخرج على ادب المخاطبة والاختلاف، وعلى ثقافة الجدل والنقاش، ويتجه الى السب طريقا قصيرا الى الشهرة، والى اطلاق الاتهامات والظنون سبيلا في المزاحمة، وقد تطيش نوازعه الى احراج اصحابه، وارباك اهل بيته، والى خيبة المراهنين عليه، فالسفيه اول من يركب الزلات، وآخر من يقدر النتائج .
********
وسفهاء المرحلة يختارون عناوين سفههم من طراطيش الاحداث لا من حقائقها، ولا يهمهم ان يكون كلامهم هذرا مملا، فهم ابعد ما يكونون عن سلامة النيّة، وعن نظافة الهدف، وعن احتساب الردود، وتحسّب المقامات، ولا يبالون ان يكون كلامهم فضيحة لهم بعد ذاك، وان تكون معاركهم مردودةً عليهم في نهاية المطاف، وهم، في كل الاحوال يكسبون اطراء من هم على شاكلتهم، فلا يدخل ذلك الاطراء في رصيد، ولا يُحسب في سمعة. ويعرف المطلعون على معارك السفهاء الفاشوشية بان "أذلّ الناس سفيهٌ لم يجد مُسافها له” في دعوة حكيمة انْ لا تردّوا على سفاهات السفيه، ويقال ايضا، السفيه هو من لا سفيه له، بمعنى لا سفيه مثله يرده عن سفهه، فالسفه في السفيه أصل، بينما في المتصدي للسفيه حالة طارئة يلجأ إليها إذا لزم الامر، وثمة الكثير ممن يتطاول عليهم السفهاء ينأون على الرد عليهم أخذا بحكمة الشاعر الذي يقول:
متاركة السفيه بلا جواب
أشدّ على السفيه من الجواب.