إلى قبل أربع أو خمس سنوات كانت المطالب الشعبية، معبَّراً عنها بآراء نخب ثقافية وصحفية وسياسية، تذهب في أقصى هدف لها إلى ضرورة (إصلاح) العملية السياسية.
كان التركيز في كل فورات الاحتجاج، الصامت منه والمعلن، يجري ضد (الفساد) و(المحاصصة).
العنوانان هما الغطاء الذي ظلّ يخفي تحته مشكلات كبيرة. إنهما صياغة سياسية تختصر آلاماً حقيقية ومعاناة فعلية؛ سوء في الخدمات المعيشية والصحية والسكنية والتعليمية وسوء فظيع في استخدام الموارد المالية وهدرها، وسوء أشد فظاعة في أمن المواطن والدولة وفي إدارة السياسات العامة وتأمين التشريعات، وتعويق مقصود وغير مقصود حتى للمجالات التي كان يمكن لها أن تعفي السلطات من مسؤوليات العمل المباشر، كما في حقل الاستثمار مثلاً..هل بقي مجال من مجالات الحياة لم يعانِ فشلاً أو إعاقة أو سوء استخدام للسلطة؟
خلال هذه السنوات لم تنجح أيٌّ من السلطات في عمل أي شيء يعبر فعلاً عن إدراك خطورة حجم المعاناة الشعبية الصامتة، وكان الأنكى من فشل السلطات هو عدم ترددها في الحديث، مجرد حديث، عن التبرم من (الفساد) و(الماحصصة).
في كثير من المناسبات بدا للمواطن أن المسؤولين، ومعهم القوى السياسية، يلوكون الكلام عن (الفساد) و(المحاصصة) إنما إمعاناً في السخرية والنصب والاحتيال على شعب وجد نفسه في واحد من أسوأ اقدار التاريخ بين مطرقة عنف وإرهاب وشبح دكتاتورية وبين سندان سلطات فاشلة
وفاسدة.
كتبت مرة هنا أننا أمام مشكلة قوى سياسية تريد للشعب أن ينشغل بمشكلاتها في ما بينها بدلاً من أن تنشغل هي بمشكلات عاصفة بالشعب والدولة. كانت هذه سياسة تريد إما أن تتفادى الحلول الصعبة المحرجة لمتنفذين فيها أو أن تستثمر المشكلات وخوف الناس على مصير البلد لصالح إدامة زخم (الفساد) و(المحاصصة) وانتفاع مَن يجد طريقه إلى السلطة من بالوعة هذين العنوانين، إنها بالوعة ذهب، ولا يذهب بك الظن إلى غير ذلك!.
هذا الفشل والنصب والاحتيال هو ما يجعل الكلام العام بعد هذه السنوات عن (إصلاح) العملية السياسية أمراً لا يقل سفاهةً عن سفاهة عدم تحقيق أي إصلاح حتى الآن.
لا يمكن حصول إصلاح.
لقد اندفع معظم أطراف العملية السياسية باتجاهات تحول دون الإصلاح!.
ينبغي التفكير بالتغيير؛ تغيير العملية السياسية وتجاوز ما تعانيه من خلل بنيوي إنّما بإرادات مشتركة من داخلها ومن خارجها، ممن يقدّرون مخاطر انهيار الدولة واحتمالات تمزقها فعلاً، وممن يؤمنون بأن لا خيار سوى دولة ديمقراطية عادلة ومستقلة.
التفريط بفرص التغيير هو خدمة مجانية لمشاريع سوداء منعها صبر الناس إزاء أخطاء (العملية السياسية) لكن بات يمكن لها النفوذ من الثغرات التي تتسع بين الناس وقوى العملية السياسية.
واعجباً، أن يبلغ الاستهتار بمصير بلد وشعب مثل هذا الحد الذي بتنا فيه في (المنطقة الحرام)!