في التسعينيات كان صديق دبلوماسي سفيراً للعراق في دولة بينها وبين العراق من المشكلات ما كان يجعل من مهمته صعبة ومعقدة.
كنت ألتقي بهذا السفير كلما كان في بغداد عائداً بإجازة، كان يحرص أثناءها على زيارة أصدقاء له من الأدباء والفنانين، وكنت أحد أصدقائه، وكان بيننا من الأحاديث والصراحة ما يؤكد الثقة ويديم العلاقة.
دبلوماسية الرجل بدت لي حينها غريبة على طبيعة ما نعرفه عن العمل الدبلوماسي العراقي. وكان هذا الانطباع يعزز الثقة بقدرته على أن يعمل شيئا فعلاً لصالح تحسين العلاقة بين البلدين وبين الشعبين.
أؤمن دائما أن الأنظمة وكراهيتها تزول بينما الصلة بين الشعوب هي ما ينبغي أن تظل بمنأى عن التكاره والضغائن.
الدبلوماسي الناجح هو من يحقق شيئاً في هذا المجال، مجال الصلة الايجابية بين الشعوب مهما كانت حدة الخلافات بين سلطاتهما.
وكنت أزداد ثقة بقدرة صديقي الدبلوماسي حتى شكا في آخر لقاء جمعنا من أن كلّ ما يعمله للدفع بالعلاقات بين البلدين والشعبين ولو خطوة واحدة للأمام يجري احباطه بتصرف غير مسؤول من حكومة العراق تعيد الصلات عشرات الخطوات إلى الوراء، وحينها نصحت الصديق بأنه قد يتوجب عليه الحذر فلربما هو يمشي عكس اتجاه السير.
اختيار الدبلوماسي مهم لكن اختيار دبلوماسي محدد لمكان محدد هو الأهم.
ما يصلح دبلوماسي للقيام به في بلد قد لا يصلح للقيام به في بلد آخر.
ومن الواضح أن اختياراتنا، بمعظمها، للدبلوماسيين لا تخضع لأية معايير مهنية ولا تراعي سوى ضوابط المصالح الحزبية الشخصية والأسرية. واقعاً ليس بين دبلوماسيينا العاملين في سفاراتنا إلا أقلية يستحقون صفة دبلوماسي وإلا فإن كثيراً منهم يتقاضون رواتبهم جراء وظيفتهم التي يحطمون من خلالها، من حيث يدرون أو لا يدرون، صورة البلد ويسفهون صورة الدبلوماسية العراقية.
الدبلوماسية التي تنتجها المحاصصة البشعة لا يمكن أن تكون خارجة على السياق البشع للمحاصصة.
ويبدو أن كثيراً من الدول باتت تتعامل في اختيار دبلوماسييها للعمل في العراق بطريقة هي أقرب إلى طريقة اختيار سلطات العراق للدبلوماسيين والقائمين على العمل الدبلوماسي العراقي. بعض السفراء ممن يعملون في العراق هم أيضاً لا يتورعون عن ارتكاب أخطاء من شأنها تشويه الانطباع الايجابي عن بلدانهم.
شخصياً بات من أشد الأمور ازعاجا لي هو مراجعة بعض السفارات العاملة في بغداد كلما كنت مضطراً لمراجعة سفارة، وكم من دعوات فرطت بها تفاديا للازعاج؛ إنها مراجعات تمتهن فيها الكرامة الإنسانية ويساء معها لحقوق الانسان وذلك بتصرفات لا يمكن لأي مواطن أوربي أو أمريكي أن يقبل بمواجهتها حين يراجع سفارة دولة ما في عاصمة بلده.
إنها تصرفات لا تستطيع اخفاء نزعة الكراهية والاستعلاء العنصري وسوء الموقف المسبق، وبعضها يريد التشبه بسوء تعامل مؤسساتنا مع مواطنينا.
هذه كارثة تتحملها أيضاً وزارة خارجيتنا وتتحملها السفارات المعنية، وقد نعود للحديث عنها بتفاصيل أكثر صراحة.