في يوم من أيام مطلع التسعينيات كنت وثلاثة أصدقاء أدباء قد دعينا إلى حوار صحفي مشهور آنذاك وكان بعنوان (خيمة الثلاثاء) في صحيفة بابل، وسُمّي بهذا لنشره يوم الثلاثاء أسبوعياً. من غرائب هذا الحوار أنه ابتدأ بسؤال كان واضحاً منه أنه يُراد به شنّ حملة شعواء على الشاعر لؤي حقي، وذلك لسببين:
أولهما أن صاحب الجريدة كان يكره لؤي كرهاً شديداً.
وثانيهما أن لؤي كان حينها لا حول له ولا قوة مرغماً على ملازمة البيت بعدما تم عزله وسجنه وابعاده عن كل شيء بسبب مشكلة له مع طبيب في مستشفى اليرموك.
قبل ذلك اليوم بسنوات لم أكن ألتقي بالشاعر لؤي حقي، ليس من صلة اجتماعية بيني وبينه، طبيعة الاهتمامات الشعرية وسواها مختلفة، بيننا سلام واحترام إنساني كلما جمعتنا مصادفة. التقينا بمهرجان الأمة الشعري عام 1984، كنت حينها جندياً، وجاءتني الدعوة في وحدتي بالعمارة وحصلت بمقتضاها على إجازة لشهر كامل بعيداً عن الحرب. كانت الدعوة تقديراً من لؤي حقي وأصدقاء شعراء كانوا معه، أرادوا بها تمتّعي بالإجازة أكثر مما عناهم أو عناني موضوع المشاركة في المهرجان، إنه كرم لا أنساه للؤي ولا لهم.
كنت الشخص الثالث على طاولة حوار (خيمة الثلاثاء)، وهذا ما أتاح لي أن أفكر بهدوء بهذا التوريط في قضية رأيت أنه يراد بها أن نُستخدَم كعصا لضرب رجل في وقت كان هو غير قادر فيه على الدفاع عن نفسه، كان هذا بالنسبة لي أمراً لا أخلاقياً حتى ومهما كان الخلاف مع لؤي..
وجدت من المناسب تفادي استغفالي أو أيٍّ من زملائي، وجميعهم أرفع من هذا، فكان أن قلت ما معناه أنه لا ينبغي النبش في سيرة غائب؛ لؤي بعيد منذ سنوات عن كل شيء ولا أثر له في سير ووقائع الحياة الثقافية المشوهة.
اقترحت، من أجل مراجعة جادة لمشكلات هذه الحياة، تناول المتنفذين الحاضرين في هذه الحياة، وهذا جانب مما كان يجعل أداء المؤسسات المعنية بالثقافة متكلساً ويابساً.
وفعلاً تحوّل الحوار بالكامل من محاولة شتم لؤي حقي إلى مراجعة حادة لواقع الثقافة حينها وسياساتها وبرامجها وبالحدود الممكنة طبعاً.. وكان هذا مما مهّد وساعد في انقلاب الشبان حينها على اتحاد الأدباء وما نجم عن ذلك من تغيرات امتزجت بخربطات، وهو مما أتمنى أن تتاح لي الفرصة للكتابة عنه.
استذكرت هذا وأنا أقرأ بين حين وآخر كتابات تشتم أناساً ما عادوا قادرين على رد الشتيمة بمثلها ولا حتى بأخف منها، فيما نحن نحيا بين بشر يقودون مؤسسات ووزارات هم أجدر بما هو أنكى من شتيمة.