بات من المتوقع أن تُجرى تغييرات وزارية خلال الأيام المقبلة.
مثل هذه التغييرات تأتي بسياق التعبير عن استجابة لمطالب التظاهرات والاعتصامات. فبين المطالب الأبرز للتظاهرات، خصوصا في طورها الأخير، كان الحث على تغيير وزراء، وأحيانا جميع الوزراء، وسيكون التغيير المتوقع تغييرا محدوداً.
وسواء أكان التغيير محدوداً أم شاملاً فإنه يدعو للتساؤل عن جدية هذا المطلب وجدواه بالنسبة للمتظاهرين أو للحكومة نفسها.
هل مشكلتنا تُلَخّص بضعف أداء وزير أو وزراء؟
دور الوزير مهم، لكن المشكلة أكبر من وزير ومن مجرد تغييره. اليوم لو جئت بأفضل وزير، (وفي الوزارات المتعاقبة كان هناك وزراء جيدون كثر)، فإنه لن يقوى على فعل شيء أكثر مما يمكن أن يفعله وزير آخر سيئ.
تراكم التجارب منذ 2003 تؤكد هذا الحكم. لا يتحمل الوزير وحده ضعف الأداء وسوء النتائج والبقاء على حال الركود إن لم يكن التراجع في عمل ونتاج الوزارة.
أداء أي وزارة هو نتيجة مشتركة لأداء موظفيها الكبار والصغار ولنظام الإدارة وسياقات العمل من جانب ولطبيعة نظام الحكم الذي تكون الوزارة جزءا منه.
لكن الوزير الجيد يتحمل مسؤولية كبيرة، هي أخلاقية في الأقل، حين يقبل أن يكون في وضع لا يستطيع أن يعمل فيه شيئاً لصالح تقدم وزارته ويحفظ له كرامته المهنية والانسانية. ان لا يقوى وزير على عمل ما يراه صحيحاً ويقبل بهذا ويسكت عليه ويستمر بأخذ راتبه وامتيازاته هو هدر لكرامته الإنسانية وتنازل مهين عن كرامته المهنية.
هذه هي مشكلة وزير في وزارة لا يستطيع أن يعمل فيها شيئاً، وهذه هي النتائج التي تترتب عليه. لكن ما الذي يقبضه المجتمع من كل هذه الخسائر المعنوية التي تطول شخص الوزير؟ المجتمع يخسر فرصاً للعمل والخدمات وإدارة السياسات العامة، ولا تغير شيئاً بخسائر المجتمع هذه الخسائر التي يتحملها، معنوياً، وزير.
المهم للمجتمع هو أن تتغير هذه الطبيعة التي تجعل أفضل وزير يتساوى مع أسوأ وزير في النتائج.
هذا التغيير هو في الخارج من اهتمامات التعديل الوزاري المتوقع والذي يطالب به متظاهرون ومعتصمون وربما معهم قطاعات كثيرة من شعب لم يتظاهر مع المتظاهرين.
لا أحسب أن الحكومة تتوقع نتائج جدية للتغيير، ومن المفترض بقيادات التظاهر وبموجهي الرأي العام أن لا يتوقعوا هم أيضاً أية جدوى من التغيير غير جدوى انصياع الحكومة لمطالبهم.
الإصلاح، وهو مراد الملايين من العراقيين، عمل واجراءات أكبر بكثير من تغيير وزير والمجيء بآخر.
التغيير ربما يكون تضحية ببريء وتوريطاً لبريء آخر.
هذه هي مسؤولية النظام السياسي؛ أن يتحرى ويقف على ما يجب فعله لإنقاذ النظام برمته من مشكلاته الجوهرية، تنفيذية وتشريعية وقضائية، لا أن ينتظر طوراً جديداً من مطالب جديدة لتظاهرات جديدة قد تضع اليد على مكامن الخلل إنما بعد فوات فرصة إصلاحه.