تستطيع ظروف المعارضة أن توحد قوى مختلفة حين يجمعها جامع معين، أي جامع، فيما ليس من السهل على مثل هذه القوى أن تحافظ على تماسك وحدتها في ظروف السلطة.
في ظروف المعارضة سيكون من المتوقع دائماً أن تميل الأطراف المعارضة إلى تعزيز التماسك في ما بينها، وهو سلوك اجتماعي يكاد يكون غريزياً.
حماية النفس من مخاطر التهديد المنطلق من السلطة من جانب وتكثير القوة ضد هذا الخطر هو تعبير عملي عن الخشية من السلطة وعن توفير امكانات تحديها في الوقت نفسه.
هذه تحالفات تظل هشة ما دامت هي محكومة بعامل خارجي يوحدها، وهي تحالفات تظل تختزن عوامل التمزق والانقسام أكثر مما تعمل على تذويب الاختلافات وعلى تنمية تفاهمات عميقة تعزز التوحد وتدفع به إلى أمام.
لكن يحصل أيضاً في الظروف التي كانت وما زالت تتحكم بالعمل المعارض في كثير من دول المنطقة أن تتعرض القوة المعارضة الواحدة إلى تمزقات داخلها، تحيلها إلى مجاميع متكارهة مع ما قد تبقي عليه هذه المجاميع من صلات واهية في ما بينها تعبيراً عن وحدة شكلية بمواجهة سلطة.
المصالح والمؤثرات الخارجية هي ما تفرض وتسهّل هذه التمزقات حتى وإن اتخذت طابعاً إيديولوجياً أو سياسياً. مثل هذه التمزقات المسيطر عليها بوحدة شكلية واهية هي الأخطر أثراً حين تتحول المعارضة إلى موقع السلطة، فهي تمزقات تكاره وعداء مسكوت عليه بفعل كونها محكومة بدوافع المصالح، والسلطة هي الأشد اغراءً في إذكاء روح المصلحة وتغليبها على ما سواها.
لا تنجح هكذا قوى في التأسيس لسلطة، وإذا ما نجحت فإن غريزة البقاء تفرض عليها جميعاً التواطؤ من أجل الإبقاء على السلطة ضعيفةً.
تزداد فرص احتمال هذا المصير كلما تعذّر على طرف من أطراف السلطة أن يكون قادراً على دحر (الأخوة الأعداء) والاحتفاظ لنفسه بكل شيء.
هذا هو الأكثر مدعاةً للحفاظ على صورة كاريكاتيرية شوهاء للديمقراطية، فالديمقراطية الشكلية المفرغة من أي معنى هي وسيلة البقاء الممكنة لتعايش الفرقاء غير الديمقراطيين، هي الوسيلة التي لا وسيلة سواها للسيطرة على تناحر متوقَّع.
الخيار الحقيقي المضموم هو الدكتاتورية، لكن الدكتاتورية تتطلب قوة، وحين لا تتوفر هذه القوة المساعدة على طغيان وتفرد طرف فإن خيار الديمقراطية الشكلية هو الخيار المتاح الوحيد.
ستبدو هذه الديمقراطية أكثر شبهاً بهدنة مؤقتة يجري التواطؤ عليها ولو بصمت. ولكن في ظروف هذه الهدنة المؤقتة يجري تدمير كل شيء وتضييع كل ما يمكن أن يتبقى. ما يحصل في أكثر من بلد من بلدان هذه المنطقة هو التعبير الأشد صراحة عن هذا المآل المفجع وهذا المصير الذي انتكست بموجبه بلدان وتحطمت شعوب.