أزمة الاختلاف الحادة بين الناس من جانب والطبقة السياسية المتصدرة للسلطات البرلمانية والحكومية انتقلت لتكون أزمة أكثر من حادة داخل أطراف السلطة وما بين المختلفين من الطبقة السياسية الحاكمة، صانعة الاختلافات، الاختلاف بين الناس والسلطات هو اختلاف ظل يتنامى ويتراكم كلما تقدمت السنوات؛
لم توقف تناميه اجراءات جادة من برلمان ولا من حكومة، ولم يسع الناس أنفسهم طيلة السنوات إلى تنظيمه ليكون منتجاً أكثر وعملياً أشد، كان الناس يتقنون تدبّر الصبر، وكان المسؤولون عن الاخفاق البرلماني الحكومي ماهرين في استثمار الصبر لصالح المزيد من مشكلات في السياسة والمال والأمن والخدمات وفي كل ما يساعد على خلق مشكلات. يكفي للتثبت من هذا مجرد الانتباه إلى أن الاختلاف تفجّر ليس بإرادة مخطط لها من الناس وإنما بفعل ضغط ظروف اخفاق السلطات في معالجة مشكلاتها حتى بدت السلطات لدينا وكأنها مناط بها مسؤولية إنتاج مشكلات لا اجتراح حلول وخلال هذه السنوات شهدنا احتجاجات شعبية ولكن كانت أقلية فيها تدافع عن حقوق أكثرية بدت غير مكترثة؛
وكان هذا مفيدا للسلطات لتنظم عملها وبرامجها بهدوء وبما يمنع استفحال الغضب الشعبي، لكن لم يفشل الناس وحدهم في تنظيم غضبهم واعتراضهم على ما يعانونه، الطبقة السياسية نفسها كانت أشد فشلاً في تنظيم نفسها وترتيب وسائل لتنظّم من خلالها تمزقاتها وتناحراتها المعلن منها والمسكوت عنه. هل نحتاج إلى براهين لتأكيد فشل الطبقة السياسية؟ دلّني على حزب أو كتلة لم تتعرض خلال هذه السنوات إلى تمزقات، ناهيك عما تعانيه بعض الأحزاب حتى الآن من تمزق داخلها يظل مسيطراً عليه لأسباب كثيرة ليس من بينها التفاهم الحقيقي.
الصلة بين الأحزاب والكتل كانت هي الأخرى تراكم عوامل التمزق أكثرَ من أن تشيد علاقات وتحالفات ستراتيجية حقيقية.
واقعاً نحن نحيا في بيئة سياسية تفتقر إلى روح السياسة؛ إنها سياسة بلا سياسة، لم يعد لنا من السياسة إلا أشكالها المريضة.
الروح ظلت تتوارى تحت طبقات ثقيلة من التربية الحزبية المعارضة، وكانت معارضة مقموعة داخل البلد ومطاردة متسترة خارجه، إنها ظروف خوف، والخوف لا ينتج سوى المظاهر المريضة ومن هذه المظاهر أن المسؤولين السياسيين يستقبلون الاحتجاج الشعبي بامتصاص هذا الاحتجاج وتحويله إلى مناسبة لتفجير الاختلافات في ما بينهم.
قلت في مناسبة سابقة إننا أمام طبقة سياسية تريد لنا أن ننشغل بمشكلاتها بدل أن تنشغل هي بمشكلاتنا.
أليس واقعاً الآن أننا جميعا منشغلون بمشكلات تصارع قوى البرلمان والحكومة في ما بينها؟.
ولكن، وقبل أن تكون هذه هي أزمة طبقة سياسية، فإنها تظل أزمتنا نحن كمواطنين طيبين ومستعدين دائماً للانصراف عن مشكلاتنا والانشغال عنها بطبقة سياسية كل امتيازها أنها منتج حيوي للمشكلات.