مهما كان الأصل القومي والديني والمذهبي للسيد صادق خان، وسواء أكان مؤمنا أم ملحداً، فإن هذه العوامل كلها ليست سببا في فوزه بانتخابات مدينته لندن.
هذه هي مشكلاتنا نحن هنا في هذه المنطقة وفي هذا الظرف التاريخي حيث نستثمر أي حدث فنجعل منه مناسبة لإذكاء تمزقاتنا وتناحرنا وتعصبنا.
لقد فاز الرجل بفعل مؤهلاته وكفاءته وبفعل القوانين الديمقراطية التي تحكم بلده انكلترا، بفعل المدنية التي غيرت العالم والتي ما زلنا بعيدين عنها بحيث توقفنا أمام فوز صادق خان بكل هذا التمزق المشين.
لا نريد أن نفهم معنى أن يأتي شاب نازحاً من بلده المسلم إلى بلد علماني فيجد فرصته للنجاح ويجد مناسبته ليحكم عاصمة الإمبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس في يوم ليس بالبعيد عن يومنا هذا.
لا نريد التفكير بالنزوح من بلداننا (وقد تحررت) إلى بلدان مستعمرينا السابقين.
لا نريد أن نفهم الدرس الأهم، والمتمثل في أن لا قومية ولا دين الرجل ولا مذهبه جعلت منه فرداً منغلقاً ومحكوما بعقد العزل والاقصاء، وكان هذا امتيازاً له ولأصوله ولتربيته التي اتاحت له التعايش والاندماج في مجتمع اختار أن يعيش فيه وأن ينجح فيه.
لا نريد أن نشغل بالنا بملايين المسلمين المنتشرين في أوروبا وأميركا وأستراليا الذين يمكن أن يكون نجاح صادق خان حافزا لهم للتطهر من مئات وربما آلاف المسلمين الذي شوهوا هناك كل شيء عن قومياتهم ودينهم بما انتهجوه من تطرف ومغالاة وسوء أدب ونكران للجميل، حتى بات العربي والمسلم، تركيا كان أم باكستانيا أم من أية قومية أخرى، ايقونة للكذب والقتل والسرقة والنصب والاحتيال.
الهوية المسلمة ضحية هؤلاء الذين سخروا وجودهم في أوروبا وأميركا من أجل تشويه وتدمير الهوية الأصل، ولا عذر ولا تبرير لما فعلوه.
ننشغل بأصل السيد صادق خان لأننا لا نريد أن نقف عند هويته التي فاز بموجبها في الانتخابات: مواطن إنكليزي من لندن.
لا نريد التفكير بهذه الهوية، وهي هوية المواطنة المدنية، لأننا ما زلنا نصنع الخوف الذي نحتمي به من الحياة والحضارة والمدنية، ما زلنا نحتمي بالكهف لتفادي الشمس.
قبل صادق خان فاز كثيرون بانتخابات أوصلتهم لمراكز مهمة في بلدان لجوئهم وهجرتهم ونزوحهم، لم نقف كثيراً عند أولئك لكننا وقفنا عند فوز السيد خان لأن فوزه ذكّرنا بتوفر مناسبة تساعد على تنشيط أزمتنا الطائفية التي تحرق المنطقة منذ سنوات.
لا مفاجأة بعد فوز أوباما برئاسة البلد الأكبر في العالم. لكن فوز صادق خان جعلناه مفاجأة لنا وليس للإنكليز.
لا أتوقع أن عمدة لندن الجديد سيواجه مشكلات من الانكليز تخص أصوله لكنه سيواجهها ربما من متشددي الإسلام هناك.
فليكن الله والقانون في عون السيد صادق خان.