انتبهت الزميلة نرمين المفتي في منشور لها الأسبوع الماضي إلى التصرف اللاإنساني في تدافع وتزاحم عشرات المصورين الصحفيين في مطار القاهرة على أم مصدومة جاءت تتحرى خبراً عن ابنها في حادث الطائرة المصرية.
وقد يقدّر صحفي مثلي كان قد عمل في ظروف تعسة حاجات المصورين والمراسلين إلى صورٍ ومعلومات بمثل هذه الحالات التي قد يفوق كثيرها موقف مطار القاهرة فظاعةً.
لكن فعلاً فإن هذه الصورة النمطية للصحفيين والتي تتكرر دائماً تكرس تصوراً لا إنسانياً عن عمل الصحافة والصحفيين، يكون بموجبها الصحفي مجرد كاميرا بلا أدنى مشاعر تقدّر تلك اللحظة. يبدو الصحفي بهذه الحالات في وضع يكون فيه أقرب إلى (المستثمر) لمحنة الآخرين.
غالباً ما تكرس السينما هذا الانطباع حين تقدم الصحفيين في مواقع الأحداث وكما لو كانوا روبوتات تجري وتتسابق من أجل صورة.
يجري الروبوت الصحفي لتبدو أشد الكوارث أمامه مجرد فرصة لا تتكرر، ويجب عليه استثمارها.
ربما لم تبالغ السينما كثيراً؛ هذه ظاهرة ليس من الصعب مصادفتها في الواقع، إنها نتاج عمل وتعاليم مؤسسات الصحافة الكبرى في العالم، نتاج بشر يجلسون وراء مكاتبهم في تلك المؤسسات بعيداً عن الظرف الإنساني الذي يكون فيه المصور والمراسل. أولئك المكتبيون يطلبون ما يديم العمل، وما العمل بالنسبة إليهم سوى (سبق صحفي)، حيث ينشد السبق مقابل أيِّ ثمن إنساني. الثمنُ الإنساني يدفعه المصور والمراسل، فيما تعود المؤسسة لتقبضه من خلال مزيد من الإقبال على وسيلتها الإعلامية.
لكن هل تسمح هذه المسؤولية المهنية بتعطيل، أو فلنقل بتحييد المشاعر الإنسانية في أثناء مواجهةالصحفي لوضع إنساني يتطلب احترام المشاعر؟
كنت قبل أيام أتحدث مع زميل عمل لسنوات مع كبريات وكالات الأنباء مصوراً فوتوغرافياً من العراق في مختلف مراحل الحروب والعنف، وكان الحديث بيننا يتركز على التعارض الذي يحصل أحياناً بين المسؤولية المهنية للمصور وبين مشاعره الإنسانية؛ عن الكيفية التي سيتصرف فيها حين يكون في مواجهة حدث يتطلب منه أن يتدخل إنسانياً وهو قادر على ذلك وبين أن يركز فقط على عمله المهني ويصوّر.
التعليمات والدورات التدريبية التي تلقاها الزميل في تلك الوكالات كانت تؤكد على أن لا مهمة للمصور سوى أن يصوّر.
أنت موجود في المكان الخطر لتصوّر؛ لا مشاعر، لا عواطف، صوّر، هذه عوامل قد تجعلك في موضع خطأ، وهي أولاً وأخيراً تعيقك عن (السبق)، وتشغلك عن التنافس على السرعة مع آخرين لا ينتظرونك ولا ينتظرون مشاعرك لتعبّر عن نفسها.
سألت الزميل المصور: ماذا لو كان وقتك المستغرق للتصوير وإرسال الصورة كافياً لإنقاذ ضحية ليس لإنقاذه من الموت إلا تدخلك واستغناؤك عن الصورة وسبقها؟.
لم تتطرق الدورات لهذا الاختبار الافتراضي، لم يجبني الزميل، لكن سنحاول في عدد مقبل الوصول إلى إجابة.