تعاقب على إدارة شبكة الإعلام خلال سنوات عملها وعلى مؤسساتها الإعلامية عدد من صحفيين وغير صحفيين، وكان بين هؤلاء صحفيون وإعلاميون أكفاء.
كان الأكفاء يعرفون تماماً حدود العمل المهني، ويدركون أن مسؤولية العمل في شبكة الإعلام تقتضي أقصى درجات الاستقلال السياسي والترفع عن الهوى الحزبي وحتى الشخصي لصالح الالتزام بمصالح الجمهور العام للشبكة.
الجمهور العام للشبكة هم مالكوها، وهم (العراقيون) بمختلف اتجاهاتهم السياسية وبمختلف مكوناتهم، إنهم ممولوها وأصحاب الامتياز فيها، لذلك هم من تتقرر (سياسة) هذه الشبكة في ضوء مصالحهم وحاجاتهم.
لكن حتى مع توفر الخبرة والمعرفة لدى بعض من تصدوا للمسؤوليات في الشبكة ومرافقها الاعلامية فإنهم كثيرا ما (اضطروا) إلى انتهاك معايير الدقة والمهنية والرصانة، وبالتالي جرى التفريط بكثير من فرص صنع اعلام متقدم.
كان داعي (الاضطرار) هو ظروف نشأة الشبكة وظروف العراق الأمنية والسياسية المعقدة ومدى نضج الحياة الصحفية في البلد، ثم الخضوع لإرادة كثير من السياسيين من مختلف تكويناتهم ومراجعهم السياسية.
في العادة يميل السياسيون حتى في أكثر الدول ديمقراطيةً إلى أن تكون أيديهم طولى في وسائل الإعلام.
في حين ان الحفاظ على تلك المعايير الخاصة بصحافة (حرة) تتكفلها تشريعات كما يتكفلها نضج الحياة الديمقراطية كما تتكلفها رقابة الرأي العام لوسائل إعلامه ولأداء السياسيين مقابلها.
لدينا ما زال التفكير السياسي (حتى وهو بصدد بناء تجربة ديمقراطية) متمسكا بكثير من تقاليد الشمولية. في مرات كثيرة حصل تنازع على مرجعية الشبكة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وكان داعي النزاع غير المصرّح به هو امتلاك الشبكة لا تحريرها.
لا أتوقع سهولة حل هذا التنازع.
لكن وجود قيادات إعلامية قوية بتمسكها بتقاليد الإعلام الحر يساعد حتى السياسيين في التحكم بشهواتهم غير المشروعة.
شبكة الإعلام هي الأقدر من سواها على أن تنهض بهذا الدور إنما فقط حين تجد تعاوناً من السياسيين، موالين ومعارضين.
وإذا ما نجح السياسيون والإعلاميون في تحرير الإعلام فإنهم يكونون قد نجحوا في خلق الفرصة الأولى اللازمة للديمقراطية، إن كان هناك من يريد بناء الديمقراطية حقا!.