بالمقاييس التي ارتكب بها الإرهابيون، بمختلف تسمياتهم، الجرائم في العراق وسواه فإن بشاعة جرائمهم في بلدان الغرب هي بشاعة متوقعة. إنها بشاعة متوقعة ولم يعني ذلك أنها جرائم (معقولة ومقبولة) قياساً بما حصل في العراق.. فظاعة جريمة ما لا تخفف من وطأة أية جريمة أخرى؛ الجريمة تظل جريمة. المقايسة تأتي هنا للتأكيد على وجوب أن يتوقع الغرب دائماً جرائم إرهابية تتفنن في مستوى وأساليب وحشيتها.
دائماً ما تعول الجماعات الإرهابية على الأثر الإعلامي والنفسي لجريمتها أشد مما تنشغل بنوع ودرجة الخسائر والتضحيات التي تنتج عن أية جريمة من جرائمهم.
وحسب معطيات الجرائم الأخيرة فإن أكثر من دولة غربية طالتها الجرائم كانت قبل هذا تتابع استخباريا بعض المجرمين ممن ارتكبوا هذه الفظائع.
لكن اجراءات هذه الدول ظلت دون المستوى الكافي لاستباق الجريمة ومنع المجرم من تقرير اللحظة التي ينفذ بها جريمته، إنه يختارها باسترخاء وبملء حريته، كما هو واضح. ربما كان خطأ دول الغرب أنها ظلت تنظر إلى خطر الإرهاب بوصفه تهديداً مناطقياً، تعاني منه دول بعينها من الدول العربية والمسلمة..
كان هذا الخطأ (إن كان مجرد خطأ فعلاً) هو الذي سمح بنمو خلايا ظلت نائمة في معظم أوروبا الغربية، فيما كان يجري التجنيد وجمع التمويل وتحشيد التأييد والتجنيد أمام أنظار الجميع الذين لم يقلقهم ذلك ما دامت الحرب في مكان آخر؛ في العراق وسوريا وليبيا وسواها من البلدان التي ابتليت بالإرهاب.
هكذا مثلاً جرى النظر إلى تظاهرات رفعت أعلام “داعش “في اكثر من مدينة أوروبية قبل عامين على أنها حرية تعبير عن رأي، إنها (الحريات القاتلة). ربما كان شيخ الجمعية التي كان يلتقي فيها المجرم الثاني في حادث كنيسة روان يريد دفع التهمة عن جمعيته وعن معلوماته عن واحد من مريديه بعدما ارتكب جرماً بشعاً فبات يؤكد أن الفتى لم تبد عليه أية علائم للتطرف، ذلك أن الشيخ لا ينظر إلى الحث على (الجهاد) في العراق أو سوريا أو اليمن على أنه تطرف أو أية تسمية أخرى تثير حفيظة سلطات الغرب المستفزة حاليا.
يجب النظر إلى أن الدعم الإيديولوجي والإعلامي والدعائي ذا الصبغة الدينية هو الشكل الأكثر خطراً لتنمية الإرهاب.
اطمئنان أية دولة إلى انها ستكون بمنأى عن شروره هو ضرب من الاستهتار بأمن ليس هذه الدولة وحدها وإنما بأمن العالم كله.
لن يظفر أحد في حرب يتصرف فيها على أساس رد الفعل المتأخر.
استباق الإرهاب وقبره في مواطن التهيئة والإعداد له وانهاء كل ما يغذيه هو السبيل الوحيد للظفر بهذه الحرب التي لا خيار للبشرية سوى الظفر فيها