الأمور ليست دائماً بالسوء الذي يطغى مباشرةً عند أي حديث ينشغل بأوضاعنا الوطنية.
السوء الحاصل فعلاً في مختلف مناحي الحياة هو نفسه يعطي معنىً جديراً بالاعتبار لأيِّ تقدم يمكن أن يحصل في واحد من مسارات الأزمات الوطنية.
هكذا يمكن النظر إلى التقدم الحاصل في الحرب ضد داعش؛ فالانتصارات التي يتوالى تحقيقها منذ أشهر في مختلف ميادين المعارك هي تعبير عن تطور لافت في مسارين:
تطور أخذت بموجبه قواتنا زمام المبادرة الحربية، وهذا تعبير عن تقدم سريع في الخبرة القتالية بحرب يمكن لأكثر الجيوش خبرةً أن تواجه فيها تحديات حقيقية، إنها حرب ضد إرهاب متطور ونظّم نفسه ليقاتل بمستويين، حرب عصابات وحرب جيوش منظمة في الوقت نفسه.
تقدّم قواتنا المسلحة في المعارك تعبير واضح عن احترافية عالية في التدريب والتأهيل والتخطيط الحربي مشفوعة بإرادة معنوية صلبة.
هذا تطور كبير يجب التأسيس عليه في مجال صنع قوات مسلحة محترفة ومتطورة وعدم اهماله في هذا المسار المهم في استقلال البلد ومنعتها وحماية كرامتها الوطنية.
التطور المهم الآخر هو المتّصل بتحقق كل هذا التقدم والتحول العميق في حربنا مع الإرهاب بعيداً عن التأثر بالتناحر السياسي والتدهور الناجم عنه في مختلف مناحي الحياة.
هذا تطورٌ هو الآخر يكاد يكون مستحيلاً في أية بيئة سياسية ممزقة ومخرّبة كما هو عليه الحال سواء في داخل العملية السياسية أو في صلة هذه العملية بمعارضيها.
التطوران مهمان ومتداخلان بظرفهما وبنتائجهما.
عملياً لا يمكن إهمال قيمة المتحقق بهذه الانتصارات وبهذا التقدم في بناء قواتنا المسلحة سواء على الصعيد الخارجي، الإقليمي بشكل خاص، أو على مستوى بناء الحياة السياسية وتجاذباتها السلبية.
ففي ظرفنا الإقليمي كان لتفكّك القوات المسلحة وتأخُّر بنائها من جديد أثره السيئ في تغييب العراق عن معظم الحسابات الإقليمية للمنطقة التي ضربتها الفوضى وحاقت بها الأخطار وبما جعل دولها كلها على فوهة بركان، فيما مرت ظروفٌ بدا فيها العراق وكأنه الحلقة الأضعف في هذه البيئة المتكارهة والمتربصة ببعضها.
بناء قوات مسلحة بهذا التطور وبهذه الاحترافية شأن مهم في القيمة الاعتبارية للعراق في وسطه الإقليمي.
وهذا ما يجب الحرص على تنميته والبناء عليه سياسياً بما يحفظ العراق واستقلاله وحقوقه وكرامته.
وفي ظرفنا السياسي الوطني الذي ما زال كثير من أطرافه سادرين في تكريس روح التمزق والفساد وتغييب أبسط مبادئ الالتزام بسياسات وطنية ستراتيجة لا يجوز الاجتهاد فيها فإن نجاح عملية بناء القوات المسلحة بعيداً عن التأثر بهذا الخراب السياسي هو تأكيد على وجود إمكانية بناء وطني راسخ وواضح إذا ما توفرت الإرادة الحكومية المترفعة على انحطاط السياسة والمنشغلة بالبناء والتقدم في مسارات يجب التقدم فيها.
هذا تطور من شأنه فرز القوى وسيكون من نتائجه دحر العبث بالأمن والاتجار بالسياسة المستمرين منذ 2003.