لم تعد كذبة نيسان مفاجئة.
لا يمكن لأحد تمرير مقلب تحت ستار كذبة نيسان.اتساع الميديا وتزايد فرص التواصل بين الناس أسهما في انطفاء المفاجأة قبل حدوثها. قد يساعد هذا الاتساع الاتصالي في تكثير الكذب والخداع والتسويف بين الناس لكن في الأول من نيسان باتت تقل فرص مرور الكذب والخداع اللفظي في المجتمعات.
الجميع متهيئ لتلقي كذبة مباحة، وبهذا تقل فرص تمرير الكذب. الضحية الأكبر في هذا الحفل العام الكاذب هم الكذابون أنفسهم.
لم يكن الكاذب بحاجة إلى يوم مسموح فيه الكذب ليكذب. إنه يكذب كلما تحركت فيه (غريزة) الكذب وفي أي حين، ولعل جزءاً من دواعي كذبه هو ممارسة الكذب لأنه غير مقبول، فما حاجته ليوم يكون الكذب فيه مقبولاً. الكذب بالنسبة لهؤلاء لا يكون كذباً حين يكون مقبولاً ومسموحاً به. لكن ماذا عن كذاب يريد أن يكذب بمثل هذا اليوم؟ أعتقد سيخفق هذا في نيل فرصة طبيعية لكي يكذب فيها. ففي مثل هذا اليوم تضعف فرص الكذابين في ممارسة ما اعتادوا عليه في كل يوم. إنهم عرضة، أكثر من سواهم، للرصد والمراقبة وتوقّع الكذب منهم.
بخلاف المتوقع فإن الأول من نيسان بات عطلة للكذابين لإيقاف عادتهم وسلوكهم المعتاد، إنهم الأكثر عجزاً عن الكذب في يوم الكذب.
في يوم كذبة نيسان ينشط عادةً غير الكذابين ليكذبوا؛ هؤلاء غير المصنفين ككذابين بمحيط علاقاتهم يجدون مناسبتهم بمثل هذا اليوم ليخرجوا به عن طبيعتهم المعتادة والمألوفة عنهم.
البشر ووسائل الإعلام الأشدّ صدقاً هم مَن يستغلون (السماح الجماعي المتفق عليه) ليبادروا في تلفيق كذبة وبثّها أو تمريرها على صديق أو جماعة. كلما كان مُروِّج الكذبة يحتفظ برصيدٍ أكبر من الثقة به فإن فرص تصديق الكذبة تزداد.
واقعاً لم يعد من مجال لتخليق كذبة نيسان ولتمريرها سواء للكذابين أنفسهم كما قلنا أو لغير الكذابين الراغبين بحرية الكذب في هذا اليوم، الأول من نيسان.الاعتياد على يوم الكذب أطفأ مفاجآت الكذب بهذا اليوم.
التحذيرات التي يتلقاها الناس قبل يومٍ من بعضهم وعبر صحفهم المفتوحة، وسائل التواصل، باتت تسهم بمرور هادئ ليوم الأول من نيسان ومن دون كذبات يجري تمريرها وتصديقها. لكن في يوم كذبة نيسان يحصل ويمر الكثير من الكذب. إنه الكذب اليومي المعتاد، سواء كذب المجاملات الاجتماعية المقبول بأي يوم والذي نمارسه جميعاً أو الكذب الآخر غير المقبول وغير المسموح به إلا في هذا اليوم. يمر بهذا اليوم كثيرٌ من الأكاذيب، إنما ليست كذبة نيسان.هل تستطيع السياسة، مثلاً، مواصلة عملها من دون أكاذيب ترشقنا بها في كل حين ومن أقصى الكوكب حتى أقصاه الآخر؟.