لم تجد شرطة كربلاء من ذنبٍ للشاب حسين مازن لتستخدمه في تبرير توقيفه ومن ثم إحالته إلى مكافحة الإجرام سوى القول إنه كان يتسكع.
والفعل (تسكع) يعني في ما يعنيه لغوياً السيرَ من دونما هدف ولا وجهة يريدها.
وبهذا تكون التهمة واحدة من أغرب تهم الجنايات. لا بشر على الأرض لم يمر بحالات لا يجد معها سوى التسكع هدفاً ووسيلةً لقتل الوقت ولتزجية النفس ولراحة البال مما يعلق به من ضيق الخاطر واكتئاب التفس وحسرات الحياة.
كلنا متهمون بموجب منطق الشرطة الغريب.
لم ينته الأمر بهذا (الجناية) عند حدود توقيف الشاب؛ لقد فقد حياته جراء (التسكع) والتهمة موجهة إلى الشرطة حاليا بخصوص وفاته أو مقتله، لا يمكن الجزم بذلك إلا بتحقيق عادل ومستقل وأن لا تكون الشرطة نفسها طرفا فيه، حيث ليس من العدل أن يكون المتهم محققاً.
(التسكع) بالمفهوم الذي أشرنا إليه، وهو مفهوم عام ومتعارف عليه، سيكون وسيلة إيجابية لأي إنسان تضيق به الحياة ويختنق بالوقت الثقيل ليكون التسكع هو الحل.
لكن (تسكع) الشاب الراحل جرى تسويقه من قبل الشرطة على أنه تصرف سلبي وغير مقبول وهو مما لا تجيزه القوانين.
هذه تهمة ثانية ضد الشرطة، فهي تتضمن إساءة وتشويها وطعنا بشاب صغير متوفى، وليس بالمستطاع الاستماع لإفادته.
لكن التهمة غير المعقولة هي تعبير خطير عن جهل الشرطة بالقوانين التي لا تحظر المشي من دون هدف أو وجهة، وبالتالي هي تعبير أيضاً عن جهل هذه الشرطة المضحك بالقدرة حتى على تلفيق التهم.
الشرطة إذاً أمام عدد من التهم التي يجب أن تواجهها جراء اعتقال ووفاة الشاب المسكين.
مسؤوليتنا، كنخب ومجتمع ومؤسسات، هي أكبر من مسؤولية عائلة الفقيد.
يجب أن ندافع عن كرامتنا وحياتنا حين تهددان بتصرفات غير مسؤولة تأتي من جهات ننفق عليها الأموال من أجل حماية هاتين الحياة والكرامة.
مسؤوليتنا هي التشدد في مواجهة هكذا تصرفات وذلك من أجل حماية هذا الجهاز من اجتهادات أمزجة ونوع تفكير بعض موظفيه غير المؤهلين تدريبيا وقانونيا وهم يتصدون لعمل حساس.
جبر الخواطر بهكذا حوادث من أجل طمطمتها وغلق ملفها هوإساءة بالغة للمجتمع مثلما هو إساءة لسلك الشرطة الذي يمكن له أن يخطئ وأن يرتكب جناية.
سيكون أمراً أشد فظاعة من الحادث نفسه إذا ما جرى النظر إليه بتهوين وتخفيف من وطأته القاسية.
كل وزير ومسؤول وأي صاحب سلطة قادر بسلطته على حماية ابنه وعائلته من هكذا أخطاء، ولكنه لن يضمن هذه القدرة حين يغادر المنصب ويعود مجرد مواطن وربّ عائلة بسيطة كعائلة الراحل حسين مازن؟
المواجهة القانونية الصارمة لهكذا أخطاء ستكون وحدها الوسيلةَ الفعالة لحفظ السلك من جانب وصون الحريات والأمن الاجتماعي والشخصي من جانب آخر.