من المفترض بالجهاز الحكومي وبالقوى السياسية في الحكومة والبرلمان إدراك أن الاعداد المحدودة من المتظاهرين في المحافظات لا تعبّر عن حقيقة حجم الغضب الشعبي السائد ضد الفساد.
إن أعداد المتظاهرين شيء بينما تنامي مساحة الاحتجاج لدى عموم الشعب شيء آخر.
لم يخرج كثير من المحتجين على الفساد للتظاهر وذلك لغياب الجهة المنظمة، ولغياب الوعي بقيمة التظاهر وأهميته في تبليغ الرسائل بين المواطن والسلطات، ولتنامي اليأس في نفوس شرائح كبيرة من الشعب من امكانية تحقيق أي شيء من شأنه خدمة الناس، يأساً من إمكانية الاستجابة وتفهم احتياجات الناس ومطالبها. إذا اتفقنا على تشخيص هذه الأسباب التي تقف وراء محدودية أعداد المتظاهرين فإن أي اهمال للإصغاء لصوت المتظاهرين السلميين، ولو كان متظاهرا واحدا هو، هو بالنتيجة يدفع إلى توفير فرص خلق وتنامي أشكال أخرى من الاحتجاج التي يمكن أن تظهر في لحظة ما وحينها ستكون الخسائر فادحة، ولا أفدح من خسارة إيمان الناس بوسائل الديمقراطية للتغيير واللجوء لسواها من الوسائل اللاديمقراطية تعبيرا عن احتجاج ورغبة في إحداث التغيير.
في الحقيقة تحتاج هذه التصورات إلى بناة ديمقراطيين، إلى قادة يديرون حياة يومية في الدولة فيما هم ينظرون بالوقت نفسه بأفق ستراتيجي إلى مصير ومستقبل الديمقراطية في إدارة الدولة وفي حياة الناس
وثقافتهم حتى الآن لم نتوفر على قائد يوازن بين التفصيل اليومي والتطلع الستراتيجي للدولة.
المبدأ السائد هو تمشية الحال اليومي ما دام ضمان المستقبل غير أكيد، وهذه مشكلة ما دمنا في مرحلة
تأسيس.
نحن في حياة سياسية بقيت تربي المشكلات أكثر مما تعمل على حلها.
ومن أخطر مشكلاتنا عدم الفصل بين ما للحزب وما للدولة.
لا يستطيع الوزير أن يفكر بمنطق رجل الدولة ما دام المبدأ الأساس في تفكيره يظل يوجهه رجل الحزب المتسيد على ذاته.
سيزيد الأمر تعقيداً انشطار ذات المسؤول بين ولاء حزبي وولاءات ومصالح أخرى، من الشخصية إلى الأسرية والقبلية والمناطقية والطائفية والقومية.
هذه مشكلات لا تعيق امكانات بناء دولة وإنما تعصب الأعين وتصم الآذان عن رؤية وسماع وتفهم غضب الناس والتحسب من إمكانية انفلات الغضب.
وإلا لو كان هناك تحسب من انفلات الغضب لكان على المسؤولين في الحكومات المحلية وفي حكومة المركز العمل وحتى المساعدة في خلق ظروف التعبير السلمي عن الاحتجاج والغضب، وهذا مبدأ ومسؤولية أساسية في عمل الدولة حين تريد أن تكون ديمقراطية.
لكن هل ما زلنا فعلا نريد الديمقراطية ونريد معها وسائل سلمية للاحتجاج؟