لا أحد يفضّل ألا يكون مع (الإصلاح). نحن في بلد وأحوال تفاقمت فيها المشكلات والمعيقات وتضخمت بما يتطلب إصلاحات في كثير من المجالات، ولهذا يمكن أن تجد الجميع يطالب بالإصلاح.. مَن منا يقول إنه لا يريد الإصلاح؟
الإصلاح واحد من التعابير الخادعة؛ إنه يأتي مرةً من مفهوم أخلاقي (الصلاح)، ومرات من تعبير عملي (صالح للعمل)، ومن آلية للتعمير والتعديل (تصليح). لكنه يظل تعبيرا خادعاً من حيث هو تعبير فضفاض لا ينمّ عن هدف واضح.
لا صورة ثابتة ومحددة لـ (الإصلاح)، لذلك جميعنا نؤكد ضرورة الإصلاح. كلنا يريد الإصلاح، إنما فقط من زاوية نظره للإصلاح كما يأمله. بهذا يكون الإصلاح هو الآخر مشكلة؛ تتعقد هذه المشكلة أكثر حين يجري النظر إلى الموضوع المراد إصلاحه من خارجه، من نظرة تأتي إلى المشكلات من تصورات أغلبها ذو طابع إيديولوجي وتفرض الحل، أو ما يجري توهمه على أنه حل وإصلاح.
هذه نظرة لا تريد الوقوف على طبيعة المشكلات من داخلها. لنأخذ مثلا التربية والتعليم في العراق؛ فمنذ 2003 كان هناك (عمل) من أجل إصلاح منظومة التعليم. حصيلة هذا العمل هي المزيد من الانتكاس في العملية التعليمية. إصلاح التعليم كان يضاعف ما فيه من خراب. واقعاً نحن نعيش المشكلة مضاعفة؛ التعليم مخرّب بينما فكر الإصلاح المهيمن أشدّ خرابا من خراب التعليم.
لقد أردنا تغيير (التعليم) فلم نفكر بتغيير كيفية (التعلّم).
دائماً ظل النظرإلىتغيير التعليم ينطلق من زاوية إيديولوجية يعتقد معها دعاتها أن تغيير معلومات ووقائع ومفاهيم في المناهج كفيل بالإصلاح. هذا أسوأ تصور لما نحتاج إليه من تعديل وتغييرلآليات التعليم. وهذا استعادة للتجارب السابقة في النظر إلى المدرسة كمكان للتوجيه الفكري والتبشير العقائدي، إنها استعادة لا تريد الاتعاظ من نتائج تدمير المدرسة ونظام التعليم فيها خلال عقود طويلة مرت. ما أكثر ما تغيرت المناهج خلال هذه الأعوام، وكان المحرك لهذا التغيير هو الإيديولوجيا مرةً والفساد الذي يعيد طباعة المناهج بتغييرات شكلية وإيديولوجية عليها مرات أخرى. الفساد يستثمر كل شيء، وهو هنا فساد مضاعف؛ مرة في تصور التغيير والإصلاح، وأخرى في تبذير المال على ذلك التصور القاصر. التفكير بمنطق الوصاية على عقول التلاميذ وتوجيهها أسلوب عفا عليه الزمن.
مسؤولية الدولة في التعليم هي من خلال مساعدة الأجيال بتطوير مهارات التفكير لدى المتعلمين بحرّية وبلا خوف، والتحفيز على الابتكار، وعلى كيفية تنظيم معلوماتهم وخبراتهم لصالح النجاح في الحياة المهنية. نعم نحتاج إلى تغيير المناهج لكن بما يساعد في تنمية مهارات الطفل العقلية والتخيلية والعملية وليس بما يستهدف توجيهها والسيطرة عليها. المعلومات تُستَحصل، لكن تربية العقل على التفكير بحرية هي الأهم بالنسبة للطفل. كلّ هذا يتطلب تأهيل المدرسة والمعلمين قبل المتعلمين.