ليس صعباً أن يخلص أي متابع إلى أن مهمة مفوضية الانتخابات الحالية ستكون معقدة كثيراً وبما يجعلها في موضع محفوف بالكثير من القلق.
بعض هذه التعقيدات كانت نتاجاً لوعود المفوضية نفسها، فيما كان بعضٌ آخر منها، أو سيكون، نتاجاً لقانون الانتخابات، بينما كثير من هذه التعقيدات هي نتاج للحياة السياسية السائرة بفوضى وأخطاء، وكان من بين هذه الأخطاء آليات اختيار الهيئات والمفوضيات المستقلة (أو المفترض بأنها مستقلة).
قانون الانتخابات مثل سواه من كثير من التشريعات والقوانين، محكوم بما يؤمّن مصالح القوى السياسية المتنفذة بالبرلمان، وبالتالي فهو مصاغ بإرادة سياسية تزهد بالمعايير المهنية للصياغات القانونية.
المفوضية، وسواها من هيئات مستقلة، هي أيضا بموجب هذا المنطق، وكما هو حال القوانين، تظهر إلى العيان وتتسلم مسؤولياتها بإرادة سياسية (إرادة المحاصصة الحزبية النافذة)، وهي إرادة تزيح جانباً المعايير المهنية بما يطمئِن المصالح الحزبية.
قد يكون بين أعضاء المفوضية مَن هو فعلاً مؤهّل مهنياً للمسؤولية التي يوضع فيها.
لكن التأهيل المهني بهذا الحال، إن لم يكن مكبلاً بقيود السياسة التي تقدمت على المهنية في اختياره، فسيكون هذا التكبيل، ومهما كان (مرناً) داعياً للشك أو لافتعال الشكوك عند أية نتائج تتمخض عن عمله حين لا ترضي مصالح أكثرية المرشحين غير (الممثلين) بهذه المحاصصة الحزبية التي جاءت بالمفوضية.
هؤلاء مرشَّحون، إذا ما شكّوا واشتكوا، فسيجدون أنفسهم مردّدين قول المتنبي (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم).
قانون الانتخابات ينطوي على تأكيدات إجرائية مصاغة، سياسياً، من دون مرونة قانونية، تسمح بمعالجة المشكلات العملية التي من الممكن مصادفتها بيوم الانتخابات، غياب المهنية القانونية في كتابة الصياغات التشريعية هي المسؤولة عن مثل هذه المشكلة، بينما تتحمل مفوضية الانتخابات مسؤولية تأكيد جاهزيتها التامة من دون التفكير بمدى جدية الجاهزية لتطبيق قانون مصاغ بطريقة غير مهنية.
نأمل أن لا تحصل هذه المشكلات الاجرائية، ونأمل أكثر أن يكون تجاوز نتائجها، إن حصلت، بسلام وهدوء وتفهّم.
المفوضية حتماً تدرك بالضبط ما نشير إليه هنا.
لكن قانون الانتخابات قانون سياسي بامتياز، يؤمّن مصالح القوى المتنفذة، ولا يعبأ بالمشكلات العاصفة بحياة وإرادة المواطنين، ولا بالكيفية التي يمكن بها الخروج من أزمة البرلمان وكيفية إنتاجه خلال الدورات الماضية.
إنه قانون يؤمّن حلولاً ليس لمشكلات المواطنين إنما لمشكلات الطبقة السياسية وقواها الحزبية، وكيفية بلوغها البرلمان بنواب لا يستحقون بموجب التصويت بلوغ قبة البرلمان لكنهم يبلغونها بأصوات غيرهم.
هذه مشكلة تكررت وكانت داعياً لسخرية كبيرة بلعتها القوى السياسية الفائزة وتجاهلتها بتشريعاتها.
القانون غير معني بمشكلة الحياة السياسية في البلد قدر اعتنائه بتأمين تلك المصالح.
تجري الانتخابات المقبلة من أجل إنتاج برلمان وحكومة قادرَين على العمل وسط تحديات خطيرة خارجية ومسؤوليات كبرى داخلية.
نأمل ذلك، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.