لم يكن السيد جورج سالزمان ملزماً بأن يقدّم عملاً ما ليكفّر به عن خطأ عمله لفترة في الشبيبة النازية إبان صعود هتلر.
لم يكن الرجل ملزماً بتملّق الحياة ما بعد النازية في بلده ألمانيا ليقوم بما قام به.
كان شعور عميق بالمسؤولية إزاء ضحايا النازية هو ما دفع به لينهض بمشروع شخصي شكّل بموجبه مأثرةً في التاريخ الثقافي بألمانيا.
لقد فكر بعمل شيء من أجل الكتب، وكانت الكتب من ضحايا النازية.
محارق الكتب كانت من أتعس ما أقدم عليه السلوك النازي ضد مؤلفين مختلفين مع النازية، كانوا شيوعيين ويساريين وليبراليين ويهوداً، وكان ما يجمعهم هو مناهضتهم الحرب والسلوك العدواني أو التعبير عما يخالف الفكر القومي الاشتراكي للنازية، فكانت جريمة محارق الكتب عام 1933.
وحسب تقرير لبي بي سي فإن سالزمان بعد عقود، ومع عام 1976، بدأ بمشروع شخصي للتحري عن أية نسخة ناجية من أيِّ كتاب أحرقه النازيون.
كان سعياً للحصول بشكل أساس على الطبعات الأولى من تلك الكتب، مما احتفظ به مواطنون في مكتباتهم الشخصية فنجا من المحارق، برغم أن الاحتفاظ بمثل تلك الكتب كان بمثابة شاهد جرمي ضد من يعثر لديه على كتاب محرّم.
هكذا تكونت لدى السيد جورج سالزمان بعد سنوات أكبر مكتبة لـ (الكتب المحرمة)، نازياً، إنها مكتبة (الكتب الناجية) من العدوانية الهتلرية.
مكتبة تراكمت بجهد شخصي لرجل أراد بها عمل شيء يريح به ضميره.
لقد نجح سالزمان بالتوفر على ما يزيد على 14500 مجلداً في منزله.
اضطر الرجل إلى أن يكون قبو المنزل مكاناً لترتيب وحفظ المكتبة.
ليس (الخوف) من هذه الكتب التي كانت (محرمة) بموجب الثقافة النازية هو الداعي لحفظها في قبو، إنما الخشية من احتمال عدم تحمّل المنزل لثقل المكتبة وتوقُّع انهياره هو ما ألجأ سالزمان إلى فكرة القبو.
وكان يمكن أن يظل هذا بحدود كونه متحفا لكتب ناجية.
لكنها كانت مكتبة هائلة، وكانت أعمال حوالي 80 مؤلفاً متوفرة فيها تقريباً بالكامل.
بعض من الكتّاب الذين أُحرقت كتبهم، وما زالوا أحياءً، تفاجأوا بالعثور على نسخ من كتبهم، وقد أضاعوها، في مكتبة السيد سالزمان من بعدما يئسوا تماماً من إمكانية العثور عليها.
في سنواته الأخيرة بقي سالزمان منشغلاً بفكرة أن يجري الاحتفاظ بهذه المكتبة النادرة من قبل مؤسسة قادرة على حفظها وصيانتها ومن ثم إتاحتها للجمهور والباحثين.
بهذا تجاوز سالزمان فكرة المتحف مطوّراً العمل إلى مكتبة.
حاول من أجل ذلك مع السلطات والجامعات حتى نجحت مؤخراً مكتبة جامعة أوغسبورغ بتملك حوالي 11000 مجلد من مجموعة سالزمان.
ابنة سالزمان احتفظت بما تبقى من المجلدات فجعلت منها عام 2015 مكتبة عامة في مدينة هيمبيلفورت متاحة للجمهور وللاستعارة لمن يحتاج إلى أي كتاب منها.