كثيراً ما فضّل سياسيون من الولايات المتحدة وانكلترا أن يفصحوا عن اهتمام استثنائي برواية يوليسيس لجيمس جويس، أو كانوا يحرصون على أن يعرف عنهم جمهورهم مثل هذا الاهتمام (عمودنا هنا قبل أسبوعين)، لكن مقابل هذا هناك عدد من كبار الكتاب لم يترددوا في الإفصاح عن أنهم لم يوفَّقوا في قراءة هذه الرواية؛ خورخة لويس بورخيس، مثلاً، وفيليب روث.
في العادة يتركز اهتمام السياسيين بعمل أدبي انطلاقاً من دوافع هي أقرب إلى السياسة منها إلى الأدب.
الطبيعة الفنية الاستثنائية لعمل مثل يوليسيس لا تجري الإشارة إليها في معظم التعليقات التي يقدمها السياسيون للتعبير عن دواعي اهتمامهم بها، ربما يكرّر جميعهم أنها رواية معقدة، وعسيرة على القراءة، وهو انطباع شائع عنها لا فضل للسياسيين بتداوله، لكنهم بهذا يبطنون ربما التفاخر بأنهم مدركون ومتجاوزون لهذه المشكلة القرائية التي يعانيها حتى أدباء محترفون.
لقد أشرنا، في ذلك العمود، إلى أن الرواية باتت جزءاً من بروباغاندا الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة بالنسبة لثلاثة مترشحين ديمقراطيين، وكان لإثارة هذه الوسيلة في الدعاية السياسية الأمريكية أن تستنهض تصوراً سياسياً مقابلاً عبر ضفة المحيط الأطلسي الأخرى.
ففي الرابع عشر من حزيران هذا العام أجرى بيتر كارلي مقابلة لغارديان مع جيرمي غوربن السياسي بريطاني وزعيم حزب العمال، وكان محورها جيمس جويس وروايته يوليسيس.
كان يهمّ غوربن، يسار الوسط، الذي يقود المعارضة منذ 2015، في هذه المقابلة التعبير أيضاً عن الرؤية السياسية لهذا العمل الروائي، إنما بعمق أوضح من زملائه الأمريكان.
فهو ينظر إلى دواعي حظر الرواية في بداية صدورها، ويعزوه إلى أن انزعاج (الطبقات العليا) من هذه الرواية كان هو الحافز لأن يصادفوا في المحتوى الجنسي لها سبباً لمنعها.
ويربط غوربن ما بين مغادرة جويس لمدينته دبلن، وهي محور الرواية، وبين تأليفه الرواية في العام نفسه، ويؤكد: "عندما تكون في المنفى فإنك تتذكر بطريقة فوتوغرافية تقريبا كل ما كنت قد مررت به (في بلدك)".
المنفى بموجب غورين" مرآة بالغة القدرة وشديدة التكثيف".
لقد كتبت هذه الرواية في عام كان التوتر السياسي فيه يتصاعد، ونشرت للمرة الأولى عام 1922 الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية، ويشير غوربن إلى أن جويس كان ناشطاً اشتراكياً في العقد الأول من القرن العشرين.
يدعو الزعيم السياسي البريطاني الناس إلى قراءة يوليسيس:" يشير جويس (بالرواية) إلى ما يحدث في الشارع ويصفه بثراء".
ثم يعقب على ذلك بقوله: "كلما كانت هناك مشكلة سياسية كبيرة، فإنني أتجول في شوارع منطقتي.
ربما نكون مهووسين تماماً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو أية قضية (كبرى) أخرى، لكن معظم الناس لا يبدون كذلك. حياتهم اليومية تظلّ هي الأكثر أهمية".
لم يعلق غوربن كثيراً، في الحوار، حول تعقيد الرواية وصعوبتها بالنسبة للناس الذين يدعوهم لقراءتها لكنه ينصح: "إن لم تفهمها فلا تجلد نفسك".
وكانت هذه النصيحة عنواناً لتلك المقابلة الصحفية الممتعة.