الإجراءات الحكومية البديلة هي أهم بكثير من اجراءات عزل واستبعاد من أجل الإصلاح.
والمراد بالاجراءات البديلة هو ما ستقدم عليه رئاسة مجلس الوزراء بعدما يجري عزل مسؤول حكومي كبير أو متوسط وحين يراد تعويضه بشحص آخر. طبيعة هذا الشخص البديل والمعايير التي ستتبع في اختياره من حيث كفاءته ونزاهته وخبرته هي ما سيقرر نجاح أو تعثر مساعي الاصلاح. سيكون لا معنى للإصلاح حين يجري الخضوع للمعايير السابقة في تقرير اسم مسؤول كبير.
المعايير التي اعتمدت منذ 2003 تلغي أي هدف أخلاقي ومهني ووطني في الاختيار، وهي السبب الرئيس في تدهور جهاز إدارة الدولة، وهي أيضاً ما ساعد في خلق بيئة سياسية حامية للفساد، سواء جرى ذلك بقصد أو من دونه. الولاء والمحاصصة وهما قوام تلك المعايير بلغا النقطة الأضيق في خانق الحياة السياسية، ولا حلول إلا بالخروج على تلك المعايير.هذه هي مسؤولية رئاسة الوزراء ومعها مسؤولية جميع الأطراف السياسية لانقاذ البلد مما هو فيه. من المحاصصة القاتلة التي جعلت من منصب رئيس الوزراء مجرد حلقة لا تدير إلا نفسها إلى التضامن الايجابي الذي يمكن أن تبديه لرئيس الوزراء قوى البرلمان، بين هذين الحالين تتحرك الحلول التي لا بد منها.
حتى يظفر رئيس الوزراء بهذا التضامن، وحتى قبل هذا الظفر، مطلوب من رئيس الوزراء نفسه طمأنة شركائه في العملية السياسية أن (تنازلات) التضامن التي يبتغيها لن يجري توظيفها إلا بالإطار العملي العابر على المصالح والولاءات الشخصية والحزبية.. وفي حياتنا ومؤسساتنا كثيرون من التكنوقراط الكفوئين والوطنيين بمختلف الحقول الذين تمكن الافادة من جهودهم ونزاهتهم لتنفيذ برنامج الاصلاح. وباختيار مثل هؤلاء يمكن كسب ثقة الشعب واغلاق مجال الشك والتحسب من قبل الشركاء.
هذا هو ما يسهل التعاون وتنمية الروح الايجابية ومشاعر الاطمئنان بين الفرقاءٍ.
***
القضاء هو الآخر يواجه المحنة الأشد في مثل هذه الظروف.
محنة اختبار وتأكيد استقلاليته من جانب ونزاهة الأداء من جانب آخر، هذه مجالات جرى التفريط بهما في مناسبات كثيرة.يتطلب هذا من البيت القضائي إعادة ترتيب أحواله التي تضررت في هذه السنوات أو خلال العقود. عمل القضاء وحده غير كافٍ لتحقيق هذه المتطلبات. لابد من عمل موازٍ حثيث من السلطتين التنفيذية والتشريعية ومن القوى الفاعلة في البلد لتأمين فاعلية القضاء على أسس الاستقلال التام.
لابد من الواقعية في النظر إلى هذا الاشتباك الحاصل بين السلطات، لابد من تفهم الظروف التي يعمل فيها القضاء، مجرد تبديل الشخوص لا يكفي، ولن يمكن بلوغ الشكل المعقول والمقبول لعمل القضاء من دون تظافر عمل الجميع لتسهيل الاجراءات القضائية وتأمين عملها بلا تدخل ولا فرض ولا تقييد.